يعقوب صرّوف

Views: 443

رائد البحث العلمي في النهضة الحديثة

يعقوب صرّوف
يعقوب صرّوف
     د.عمر الطبّاع

 

ولد يعقوب صرّوف سنة ۱۸٥۲ ، في الحَدث، من أعمال جبل لبنان. وتلقّى دروسه الأولى في مدرسة عبيّه الأميركية، ثم انتقل منها إلى

الجامعة الأميركية في بيروت التي كانت تُعرف آنئذٍ بالمدرسة الكليّة السوريّة
الجامعة الأميركية في بيروت التي كانت تُعرف آنئذٍ بالمدرسة الكليّة السوريّة، حيث درس العلوم الرياضيّة والطبيعية والتاريخ واللغة والبيان.

ومن أشهر أساتذته في الجامعة الشيخ ناصيف اليازجي، والشيخ يوسف الأسير، والدكتور كورنيليوس فانْدَيْك. تخرَّج من الجامعة سنة ۱٨۷۰ برتبة بكالوريوس في العلوم B.S دَرَّس بعدئذٍ ثلاث سنوات في مدرستي المرسلين الأميركيين في طرابلس وصيدا، ثم دُعي إلى التدريس في الجامعة الأميركية في مطلع سنة (۱۸۷٣- ۱٨۷٤) المدرسية، حيث أنيط به تعليم العلوم الرياضية والفلسفة الطبيعية (العلوم الطبيعية). فكان يُدرِّس ويدرس، معتمداً على همّة لا تعرف الملل، وعقل نيِّر وذكاء متوقِّد، ودقة ملاحظة، وفضول علمي جارف، وعلى ما في الجامعة من أجهزة إختبار علمي وضعت بتصرّفه.

 فارس نمر
فارس نمر

وسنة ۱۸٧٦، أنشأ وزميله فارس نمر مجلة “المقتطف” في بيروت، وهي مجلة علمية تبحث في سائر فروع المعرفة الإنسانية، من فيزياء وكيمياء وعلم فلك، وزراعة، وعلم آثار، ونظريّات علمية فلسفية، وسوى ذلك، ما عدا البحوث الدينية والسياسية. وسنة ۱٨٨٥ نقلاها إلى مصر، ولبثا يشرفان عليها ويدبّجان معظم مقالاتها حتى سنة ۱۸۸۸. وفي هذه السنة إنفصل يعقوب صرّوف عن زميله فارس نمر واستقلّ بمجلة ” المقتطف”، يتعهّدها برعايته وقلمه حتى وفاته، عام ۱٩۲۷.

المقتطف
المقتطف

آثاره

أَلَّف وعرَّب منفرداً: “سر النجاح” و”الحرب المقدسة” و”الحكمة الالهية” و”مرآة العصر”، وعرَّب بمشاركة فارس نمر “سير الأبطال والعظماء ومشاهير العلماء”.

قيمة أبحاثه العلمية

الهدف الذي توخّاه يعقوب صروف من أبحاثه العلمية سدُّ الفراغ العلمي الذي سبّبه تخلُّف عصر الانحطاط في المجتمع العربي، فبينما كانت أوروبا متابعة نهضتها العلمية في مختلف فروع العلم، كان الشرق العربي يرسف في قيود من الجهل والجمود والعجْز، غير متخطّ ٍ المرحلة العلمية التي بلغها العرب في نهاية العصر العبّاسي الرابع. وقد أشار إسماعيل مظهر إلى غاية يعقوب صرّوف من أبحاثه العلمية بقوله: ” تلقيح الأفكار القديمة بأفكار جديدة، وتغيير الأساليب القديمة بأساليب حديثة، وقتل العادات العتيقة التي نكب بها الفكر بعادات تُلائم مقتضى الزمان والمكان، وذلك عن طريق تفهُّم الجديد من المبتكرات العلمية والفنيّة والعقلية، ونقْلها بالترجمة إلى عالَمٍ يجهلها  “. فيعقوب صروف مؤمن بأن الشرق العربي لا يستطيع اللَّحاق بالأمم المتقدِّمة ومباراتها، واستعادة إعتباره العلمي القديم، إلّا عن طريق نقل العلوم الطبيعية إلى العربية، ودرسها، وتطبيقها، واستئناف البحوث العلمية لإغنائها بالنظريّات والمنجزات الجديدة.

كورنيليوس فانْدَيْك
كورنيليوس فانْدَيْك

أراد إذن صرّوف أن يكون معلماً لمجتمعه العربي؛ وعلى نمط المعلم، فإنه لم يبدأ أبحاثه العلمية من النقطة التي توصّل إليها العلم المعاصر في أوروبا، بل من النقطة التي توقف عندها العلم العربي، في بداية عصر الأنحطاط. فلهذا السبب، مثلاً، بحث نظرية بطليموس، في علم الفلك، قبل أن يبحث نظرية كوبرنيكوس التي كانت، منذ زمن، قد أثبتت بطلان الأولى، وحلّت محلها. وهذا المعلم، نظراً إلى ندرة المعلمين آنذاك، لم يؤثر التخصص في أحد فروع العلم، بل خاض ميادينها المختلفة بهمة لا تعرف الملل ولا يعروها الكلل، مما أدى إلى توزيع جهوده، وطاقته الذهنية، على مجاري المعرفة المتنوعة.

نقد النظريات العلمية

ناصيف اليازجي
ناصيف اليازجي

ولم يكتف صرّوف بتعريب أبحاث العلماء الغربيين، وتبسيطها، لتكون في متناول قرّائه، بل تخطّى هذه المرحلة إلى نقد النظريات العلمية، ومشاركة العلماء في بحوثهم، غير مستسلم استسلاماً أعمى إلى وجهة نظرهم في النظريات التي يُدلون بها. قال عنه نسيبه فؤاد صرّوف: “كان لا ينفك يبين أن البحث العلمي عن الحقيقة، في نطاق علوم الطبيعة، وعلوم الحياة، لا يبدأ بمسلمات مطلقة، أو نظم فلسفية، أو آراء بعينها، ولا يعتمد على الأحكام المستنبطة من التأمل في النفس، أو من أقوال ذوي العقول الممتازة الذين سيطروا بقوة عقولهم وامتيازها على تفكير الناس، حقباً طويلة من الدهر، بل يعتمد المنهج الذي أساسه المشاهدة، ووضع الفروض، والاستقراء، والتجربة، لامتحان الفروض وقبولها او تعديلها، في نطاق قواعد رياضية ومنطقية وتجريبية تخضع لجميع قيود الضبط المحكمة”، فمن أعمال صروف في المشاركة العلمية والنقد العلمي، أبحاثه في السحر، والتنويم، ومناجاة الأرواح، ومذهب النشوء والارتقاء، مما أسفر، من جهة، عن آراء مصيبة، ومن جهة أخرى عن تعريض نفسه لحملات عنيفة شنّها عليه نفرٌ من رجال الدين المحافظين، مسلمين ومسيحيين، وانتصر له فيها علماء مسلمون ومسيحيون.

خصائص أبحاثه العلمية

وكان صرّوف، في النقد العلمي والمشاركة العلمية، يتصف بوجدان علميّ حيّ، وبتواضع العلماء الأصيلين، فلا يتشبث برأيه، عندما يتبين له أنه رأيُ مخطىء، مخالفاص بذلك نهج الشيخ إبراهيم اليازجي الشديد التمسك بآرائه، وإن أخطأت كبد الحقيقة. قال: ” المناظر والنظير مشتقان من أصل واحد، فمناظرك نظيرك، والغرض من المناظرة التوصل إلى الحقائق، فإذا كان كاشف أغلاط غيره عظيماً كان المعترف بأغلاطه أعظم”. وكان صرّوف، إذا ما أخذ برأي علمي لغيره يسنده إلى صاحبه، ولا يدعيه لنفسه، مؤثراً الأمانة على الاختلاس، ناسباً الفضل إلى ذويه.

وأُتيحت لصروف دراسة جامعية منظمة، فانعكس هذا التنظيم على أبحاثه العلمية، فجاءت هذه الأبحاث حلقات متواصلة متماسكة في سلسلة واضحة المعالم، تعتمد التدرج التاريخي في مختلف فروع العلم، غير تاركة فراغاً وغير مقدِّمة ما يجب تأخيره، ولا مؤخرة ما يحب تقديمه.

وكان يؤثر الناحية العملية التطبيقية في العلوم على الاعتبارات النظرية والفلسفية الصرف؛ فطريقته في الأبحاث العلمية متينة الصلة بطريقة ابن الهيثم، العالم العربي الشهير.

وأتيح لصرّوف العمل في المختبرات، أكثر مما أتيح لمنافسه، الشيخ ابراهيم اليازجي،

بفضل أجهزة الجامعة الأميركية العلمية التي وضعت بتصرّفه، وبفضل التدريب المنظّم الذي تلقاه على يد كبار أساتذتها، ولا سيما الدكتور كورنيليوس فاندَيْك، وبفضل عمله مدرّساً للعلوم الرياضية والطبيعية، بعدما كان طالباً؛ لذلك، ركز اعتماده على الاختبار والمراقبة والدليل العقلي والاستقرائي، ولم يُرَحّب بالنظريات التي تفرض عليه فرضاً لشهرة أصحابها.

وبما أنه كان يهدف إلى أن يكون معلّم جيله العربي أكثر مما يهدف إلى أن يكون عالماً مكتشفاً ومخترعاً، فقد طوى معظم حياته في تعليم ما كان معروفاً لدى الغربيين، بواسطة الترجمة، والتبسيط، والمناقشة، منصرفاً عن المرحلة القصوى التي بلغتها العلوم في الغرب، وغير جاهد في اكتشاف نواميس وتحقيق اختراعات جديدة. وإذا أضفنا إلى هذا الهدف عدم تفرّغه لمعالجة علم معيّن، ومباشرته الأبحاث العلمية في سائر الحقول، أدركنا السبب الذي حال بينه وبين أن يكون عالماً، بالمعنى الاصطلاحي الحديث لكلمة “عالِم”.

أثر أبحاثه في الشرق العربي

غير أنه تمكن، في مضامير العلم، من الحاق الشرق العربي المتخلِّف بركب الحضارة العلمية الغربية المتقدمة، وتمكن من إفراغ أبحاثه العلمية في قالب إنشائي هو غاية في الوضوح والسهولة ودقة التعبير، بعيد عن التزمّت اللغوي، مُفسٍحٍ مجالاً للتعابير العلمية الاعجمية الدقيقة الدّلالة، التي لا يمكن الاستعاضة عنها بتعابير عربية واردة أو مشتقّة أو منحوته، ولا سيما التعابير الكيماوي التي تقتضي زوائد لا وجود لها في العربية، ولا يمكن إهمالها إلا بالتضحية بمدلولها، كقولنا: حامض الكبريتيك، وحامض الكبريتيوس، مثلاً، وهما جسمان مختلفان.

وقد أغنى صرّوف اللغة العربية، بالمصطلحات العلمية التي وضعها بطريقة الاشتقاق والنحت واللجوء إلى الألفاظ الأعجمية، فأقال العربية من عجزها في مضمار التعبير العلمي، وجعلها قادرة على متابعة رسالتها العلمية، كما كانت في الزمان الغابر. ومن أشهر المصطلحات التي وضعها والتي أثبتها الاستعمال وعمّمها على سائر الأقطار العربية، الألفاظ التالية: علم النفس Psychologie، الصحافة Presse، التنويم Hypnotisme، مذهب النشوء والارتقاء Evolution، المستشفى Hôpital، الكحول Alcool، مناجاة Spiritisme، المثل الاعلى IdéalŽ.

وخير حُكمٍ مُجمل على أبحاث صرّوف العلمية قول مصطفى صادق الرافعي في صاحبها: “وقد تصدّر للكتابة والترجمة منذ شباب هذا العصر، ومنذ بدأ الناس يقرأون العلوم الحديثة في الشرق، فلا جَرمَ إن لم يكن لغوياً كأبي عمرو، وابي زيد، والخليل، والاصمعي، واقرانهم؛ ولا كان لغوياً على طريقة سيبويه والكسائي واشباههم… ولكنه لغوي فيما يعمر بين الشرق والغرب؛ يحمل بلسان ويؤدي بلسان غيره، يوافق بين المعاني الجديدة والالفاظ القديمة، ويشابك بين خيوط التاريخ في هذه وهذه، ويأخذ اللغة للاستعمال لا للحفظ، وللتعليم لا للتدوين، وللمنفعة لا للمباهاة. وللفائدة لا للتنَبَّل، ويترجم، وإن في خيالّه العالَمَ الواسعَ الذي ينقل عنه بعلمائه وادبائه وكتبه ومجلاته ومصطلحاته، ويكتب، وإن له تلك الملكة الدقيقة التي كونتها العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية وغيرها”.

غلاف "سر النجاح"... الطبعة الرابعة
غلاف “سر النجاح”… الطبعة الرابعة

منتخبات

1-قرع الحواشي: تصاب المواشي بالقرَع كما يُصاب به الإنسان فتعْدى منه ويُعدى منها، لأن داءَ القرَع معدٍ جدّاً، وهو مادة نباتية فطرية تعيش في أصل الشعر فتميته. وأكثر ما تصيب العنق وجوانب الرأس وقد تنتشر في البدن كله، والغالب أنها تكون في الفيران وتنتقل منها إلى القطط التي تأكلها، ومن القطط الى الخيل، لكنها قلًّما تصيب الخيل التي يُعتني بعلفها ونظافتها.

ومن أول أعراض القرَع الحكَّة فترى الحيوان يحكُّ جسمهُ ويعضُّه في المكان الذي يصاب به، وتظهر فيه دوائر فيها نتوَّات صغيرة يضعف شعرها ويتساقط إلى أن يزول كله من الدائرة وتتكوَّن فيها طبقة وسخة من مفرزات الجلد.

العلاج: يغسل مكان القرَع بالماءِ الحار والصابون حتى تزول القشرة عنه ثم يُدهن بمذوب بركلوريد الحديد إذا كانت البقع صغيرة قليلة الانتشار وأما إذا كانت كبيرة كثيرة الانتشار فتدهن بدهون أكسيد الزيبق الأحمر لأنه أخف فعلاً من الأول فلا يخشى منه على الحيوان إذا دهن به جانب كبير من جسمه.

2-الليف على الأشجار: ذهبنا بالأمس إلى النزهة في طريق الأهرام وعرَّجنا عن الطريق إلى الجهة اليمنى بُعَيد سكة الحديد ومررنا في أراضٍ غطّاها البرسيم وهو أخضر نضر كأجود ما يكون حتى إذا سرنا فيها نحو نصف ميل رأينا في الأرض قطعاً صفراءَ اللون كأنها مريضة سقيمة ولما وصلنا إليها وجدناها كما ظننَّا لأن نباتاً حلميّاً تعرَّش بها وامتص عصارتها وهو المعروف عند أهل مصر بالحامول وفي العربية الفصحى بالكشوث.

ولون هذا النبات أصفر برتقالي وقد التفَّ حول نبات البرسيم ونمَت فيه تآليل صغيرة كالمصات لامتصاص الغذاءِ من البرسيم فعاش على نفقة غيره. ولكنه لم يجُد إلاَّ حيث الأرض ضعيفة أو حيث البرسيم مقطوع أما البرسيم الذي أرضه كثيرة الخصب فتغلب عليه ولم يظهر ضرره فيه.

3-الكهربائية: لقد ثبت منذ مدة أنه إذا كان زجاج المصباح الكهربائي كبيراً لم يضعف نوره سريعاً كما لو كان صغيراً، إلا أن الناس يكرهون المصابيح الكبيرة ولم يألفوها إلا في العام الماضي، بعد أن كثر إستعمال “مصباح نرنست” وألفته العين. وكان الاعتراض الأكبر على هذا المصباح أنه لا ينير حالاً بل تمضي مدة بين إنارة القبس وإنارة المصباح نفسه. أما الآن فأوصل به مصباح عادي ينير أولاً ويبقى نوره ساطعاً إلى أن ينير مصباح نرنست فينطفيء المصباح العادي من نفسه ومع ذلك لم يشع استعماله كثيراً لأنه ينطفىء أحياناً لغير سبب ظاهر. وقد شاهدنا هذا المصباح في سان ستفانو بالاسكندرية. ولم يشع استعمال مصباح الاسميوم كثيراً لأن خيطه يلين بالحرارة فينحني ويلصق بزجاجه. وثبت أن مصباح التنتالوم يقيم ۱۸۰۰ ساعة ولا يضعف نوره الا قليلاً.

وأُصلحت مصابيح النور القوسي بمنع تجدَّد الهواء فيها فزادت قوتها أربعين في المئة واستعمل بخار الزيبق في المصابيح الكهربائية بدل الاسلاك المعدنية ويقال أن نوره يريح البصر أكثر من النور العادي.

وزاد استعمال الكهربائية لنقل القوى وأعظم القوى التي حوِّلت الى كهربائية حتى الآن قوة شلال نياغرا وقوة شلال فكتوريا على نهر زمبيسي وتمّ تحويل شلالات النيل إلى قوة كهربائية وتمّ توزيعها في القطر المصري.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *