سجلوا عندكم

ومضاتٌ إن سطعت!

Views: 1072

 قراءة في كتاب  “ثقبٌ في الروح ” للدكتور محمود عثمان

د. عماد يونس فغالي

سكبتَ مدادَكَ، د. محمود في دواةٍ من داخلكَ، فسطّر يراعُكَ على مجاري الروح، دفقَ حالاتٍ من طفولتكَ، ومضاتٌ إن سطعت، خطًّتْ مترعاتُها ثقبًا، دمغ عتباتِ مراحلِ نضجكَ كلّها، صفحاتِ أمجادٍ وتألّقات!

“ومضاتٌ من طفولتي”، أضأتَ على مؤلّفكَ عنوانًا ومضمونًا. وشئتَ أن تكون واهجة كضوء، بضّة كماء. فتحتْ على يفاعكَ، كُوَّةً، ينظرها القارئ من بعيد، فيتبيّن كم فعل فيكَ الألم، وكم اشتدّ عزمُكَ على المعاناة!

لوحاتٌ وامضة، آثرتَ من خلالها أن يظهر الثقبُ في روحكَ، لا نقصًا وخللاً، بل نبعةَ إنسانيّةٍ دافقة، كم تفاعلتَ معها، فتشكّلتَ قامةً معرفيّة مجبولةً بعميق إنسان، أنموذجٍ ندر!

وفي الْكِتَابِ مشهديةُّ مقارنةٍ، مع عالم الْيَوْم. بين طفولتكَ الغارقة في البدائيّة، ويفاعكَ المؤسّس على صعوبات الحياة ووسائلها المتخلّفة، وبين عالم الْيَوْم القائم على التطوّرات العلميّة والتقدّم التكنولوجيّ والتواصليّ. مقاربةٌ طالت الأبعاد الفكريّة لتثبتَ تراجعًا ملحوظًا في علائقيّة الناس في ما بينهم، وعجزهم عن الترفّع القيميّ والفكريّ. وفي هذا، طرحتَ إشكاليّةَ العصر بانسيابيّةٍ قصصيّة تضع الإصبع على الجرح، من دون إرشادٍ مباشر، بل توجيهًا بالمثل والحبّ.

وطغى ضمير المتكلّم على السرد، لتصنّف المقاربة النصيّة سيرةً ذاتيّة قَرَّبَت القارئ إليكَ شخصًا وشخصيّةً من داخل، يرافقكَ في بداياتكَ العمريّة الناشئة، وترتسمُ في داخله، متمرّسًا في الخبرة الإنسانيّة العميقة، التي جعلت منكَ أيقونةً في النضج والوعي، بل في تقبّل كلّ امرئٍ ينوء بأحماله الثقيلة، متفهّمًا ظروفًا خارجيّة تؤول به إلى انزياح!

وماذا أقول في الوفاء البنويّ، زمنَ التبرّم من كلّ عرفان. زمنَ التزلّف في تبيان المركز الاجتماعيّ أساسًا للرفعة والكرامة. بئسَ الزمن.

عملتَ من وجه والدكَ المغادر عنكَ باكرًا، هالةً قدسيّة نحتّها بإزميلِ ابنٍ شادَ قامته على مجد أبيه، الكبير في ضعته ووداعته، لكن بكبر أبوّته ومحبّته. وصوّرتَ أمّكَ إلهةَ إغريقٍ في ميتولوجيا الحياة الملتفّة في مفارقَ أودت بكَ إلى ارتقاء…

وتصوّرتَ مجتمعكَ القرويّ في معتقداته البائدة وموروثاته الغارقة في الإيمانيّات والممارسات، لوحةً من جماليا البراءات، صورةً حالمة لحبٍّ فينا دفين، يطالُ الثقب في الروح، ويحلو وخزه في صحواتٍ من مهاوٍ نتخبّط فيها…

د. محمود، “ثقبٌ في الروح”، علامةٌ فارقة في نتاجكَ الأدبيّ. طبقٌ إبداعيّ على مأدبةِ محافلكَ الفكريّة يسمو بكَ إلى مرتبةِ الملهمين، ويرقى بالقارئ إلى ملامسةِ ملء قامته الإنسانيّة إدراكًا واهتمامًا… كلّ هذا تتوّجًا لإحياءِ زمنٍ جميل وإيحاءاتِ غدٍ مشرق، لا بدّ يبزغ ويهيم!!

٢٦ أيّار ٢٠١٨

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *