جورج طرابلسي… عهد الروبوت الثقافي
د. جان توما
أن تنتقل بالكتابة من الصحافة الورقيّة إلى الصحافة الرقميّة كأنّك تتخلى عن ” الكشّة” في دنيا الغربة إلى سيارة دفع رباعيّة تجري على شاشة ملوّنة آسرة.
ليتنا بقينا نشرب قهوتنا على مصطبة حجريّة بدل التربّع على مقاعد وثيرة، وليتنا استظلّينا دالية البيت العتيق ولم ننحشر تحت ” رفراف” باطوني لا يُسمن عن رحيل ولا يغني عن سفر.
كان الحرف يومها يتغنّج بين أصابعنا الخمس قبل أن يدلف من تحت قرميد كفّنا إلى الورقة “ليتعمشق” السطر ويتلوّى كشلال ضيعتنا قبل جفافه.
مشكلتنا نحن الكتّاب العصافير أننا استطبنا التغريد تحت سنديانة جورج طرابلسي. فَرَدَ لنا الورق وقال: اكتبوا. أعطانا الحبر والقرطاس والقلم ولم يبخل بأفكاره، فرفعنا التلول، نصبنا الخيام، وأوقدنا النار حتى صار المداد نورًا من نور.
اليوم يأخذنا جورج طرابلسي إلى الكتابة الرقميّة ونسير معه على إيقاع السبّابة الضاغطة على أزرار لا حبر فيها ولا دنس.
إنّ الكلمة المكتوبة على ورق، لها طقوسها وصلواتها، لها لباسها الرسمي والعينان الواسعتان كالسّماء برفقة المتنبي والجاحظ وعبود وجبران ومن لفّ لفّهم. أنت في مجلس ترسمه بالريشة والمحبرة وخيال لا ينقطع.
هنا في الكتابة الرّقميّة تبحث عن الحرف المقطوع من أبجديّة لتلصقه بأخيه لتركّب كلمة تأخذ مداها في جملة، لكنك لا تقشع من تلمسّت آثارهم قراءة وتأثّرًا.
أنت تخوض لعبة جديدة، اختراعًا لا ولادة. تغيب عنك في الكتابة الرقميّة أوجاع المخاض وصرخات الوجع. أنت مع شاشة ترسم بإصبعك شكلها. مع الورق تصير أنت الحبر والقرطاس والحرف الذي تعمّد بعرق أصابعك وانتقل من الخيال إلى الحقيقة.
لكنك مع جورج طرابلسي تخضع لتجارب عدّة. معه، لا تقول : ” ولا تدخلنا في التجارب” ، لأنّ تجاربه باب من أبواب المحبة للغة العربية، ومسرى من التعبّد في محرابها. لعلّنا مع جورج تبعثرنا ثمّ توحّدنا كي لا يسقط القلم. جورج طرابلسي أتقن الكلمة ما بين “ورق” و”رقم” فأنسن المجلس وروحنه.
الأديب الكبير جورج طرابلسي من أشرف شرفاء الأدباء العرب و أغنى الثقافة العربية و ما زال يُغْنيها..