مريم نزار حنّا في “بحار زرقاء وأعماق ملوّنة”… تقولين إنسانًا
د. عماد يونس فغالي
تقول مريم في تقديمِها الكتاب الذي تضعُه اليوم بين أيدينا: “فربّي يعلم صدقي وحبّي العميق كبحرٍ أزرق متفائل ومليء بأعماق ملوّنة بالصبر والتحمّل…” هكذا شرحتْ عنوانَ مؤلّفها “بحارٌ زرقاء وأعماق ملوّنة”.
مريم نزار حنّا، مَن يعرفها يعرف جيّدًا أيّ فتاةٍ هي، هذه الآتية من رحم المآسي والمعاناة، تحملُ على فتيّ عمرها اليانع، ثقلاً هي براءٌ منه، فتفتّقَ إبداعًا أدبيًّا، صدى موهبةٍ تبدّت قدراتٍ في العائلة التي منها تخرج.
تقول في كلمة الشكر والتقدير مطلعَ الكتاب: “يسرّني أن أطبعَ هذا الكتاب وأنا في السابعة عشر من عمري، لكي أبرهن وأقول إنّ العمرَ مجرّدَ رقم. لذا أتمنّى أن تقيّموا الكتاب من خلال المضمون والفكر لا العمر”.
مضمونُ الكتابِ وفكره، دوّنت فيه مريمُ يفاعَها المضرّجَ بالأحمر، عاشته تقاسي، فنضجَ مدادًا يعرّف بها إنسانةً، حسبُها قولةُ ألفرد دو موسّيه: “الإنسان متعلّمٌ دائم، هي المعاناةُ معلّمتُه. ولا يعرف قيمةَ نفسه إن لم يعانِ”.
بِحارٌ زرقاءُ نصوصكِ القصصيّة. على ضفاف الأملِ وقفتِ متفائلةً، غيرُ خاطرٍ في بالكِ استسلامُ الحلم، وغير راضخةٍ لضعفٍ يتسلّل إلى الأماني… فلجأتِ إلى أعماقكِ الملوّنة، لا بالواقع الأليم الذي رسخَ فيكِ أسودَ الأفق، بل بالصبر والتحمّل اللذين فتَحاكِ على الحياةِ وُسعَ المدى!
في الكتاب أقصوصاتٌ شاركتِها المتذوّقين أدبًا على المنبر، يسرّني أن يكون “لقاء” واحةَ مرسلتِكِ تواصلاً. وأخرى نُشرت على صفحاتِ مجلاّتٍ محليّة وعالميّة. كلّها تنشرُ أدبيّتكِ وتوصِلُ صوتكِ صارخًا في وجه ظلاماتٍ، يواجهها شخصكِ الأنثويّ بدلَ جمالاتٍ حياتيّة لائقٌ لو تسنّى لكِ عيشُها كما يجدر!
هي أقصوصاتٌ في مجملها تطرحُ إشكاليّةً، تصلُ عادةً بالمرء إلى حائطٍ مسدود. تعيدُها مريم في الحبكة النصيّة إلى الحلّ المنشود، ما يجعلُ نصوصَ الكتاب تُطابق العنوان من حيثُ بلوغُ الأمل غايتَه الفضلى. (www.freeunlocks.com)
وفي القسم الثاني من المؤلَّف، “قصصٌ للناشئة. هي عِبرٌ وأمثولات في المواقف الإنسانيّة ومسارات الحياة. في الواقع، تأخذكَ الدهشةُ لهذا الكمّ من المخزون المعرفيّ والخبرة الحياتيّة لفتاةٍ في هذا العمر. لكنْ كم صحيحٌ ما تقدّمه، ومهمٌّ أن يُقتدى به!
كتابُ مريم هذا، كأسٌ من مدامٍ، رشيفُه الصدقُ في القولةِ ومذاقُه دعوةٌ ملحّة للاستجابة. هو في تذوّقه دعوةٌ إلى تلذّذ كلّ فضيلةٍ تهدينا إليها، ربّما لو تفاعلَ كلّ قارئٍ، لَنسجتْ كاتبتُنا من أثر كلماتها، راقيَ إنسان، ونقيّ مجتمع!
في الختام، شكرًا مريم لأنّكِ هنا، شكرًا لأنّكِ كتبتِ!! وإن لم تتشكّلي مثالاً لأترابكِ في أزمنةٍ أدبيّةٍ عجاف، إلاّ أنّكِ صانعةٌ من ترابٍ ذهبًا. لأنتِ نموذجُ كلّ صبيّةٍ يلدها الألم، فتتحوّلَ بعطيّةٍ من علُ، آيةً من جمال ونصًّا من خلود.