وجهها…
د. جان توما
تسألني: لمَ تتأمل وجهي وأنا غارق قي ثنايا وجعي وألمي؟. أُبْحِرُ في ملامح وجهها فلا أبصر إلّا ليالي السّهد والوجد.
لماذا يصير وجهها فَلَكي وشيئًا من هذا الكون الغامض؟ لماذا كلّما اشتقت إلى بيادر الحصاد يهلّ عليّ أيلول من عينيها كسحاب المطر الجميل؟
ما هذا الوجه الذي يستحيل الهروب من التحديق فيه؟ لعلّه يصير مدى لا تتخلّص عيناك من التوغّل في عطايا سهوله وهضابه! والجميل أنّك لا تملك خارطة طريق له، إذ تطفر أنتَ ، في كلّ نظرة، إلى تلاله وجلوله كالأيائل الباحثة عن قطرة ماء بعد تعب شوق العاشقين.
يا وجهًا ما كان لولا بعض شوقي إليه. حمّلته قلبي فصار نابضًا بالحياة. ما عادت عوالم التكنولوجيا تكفيني للتعبير. وحده حضور الوجه يبلبل لساني ويقوّض هيكل حالي وأصير إليه ملمحًا قابلًا لكلّ “حولة حسن” أو “مبسم غمّاز”.
كأنّ هذا الوجه ما صنعته لمعة تراب أرضي، بل قبس وحل جنّة ما. ألعلّ عينيّ ما كانتا تبصران لولا تغطيتهما بهذا الوحل لتصير في مرمى بصيرة الشوق؟
أرسم وجهها بالكلمات فتفشل التهجئة، أنقشه بالإزميل فيرسب النّحت، أرسمه بالرّيشة فلا تأخذ الألوان حدّها. ما عادت الفنون السبعة تَسَعُ وجههَا وملامحَها وقنديلَ عينيها وفرادةَ تلك الخصلة المرمية بشغف على جبين رصيفها البحري المالح بالحبيبات كالشُّهب المتفلّتة من جاذبية الكون وعطر الليل.
كأن وجهها جمعته الريح من حبيبات القمح المتناثرة في الأرجاءْ، ما بين الأرضِ والسماءْ، عجنها بجرن الضياءْ، مرمرها بغمام السناءْ، أعادنا بفيئها أطفالًا نتهجأ الألفباءْ، ما عادت تهمّنا الأسماءْ.، وجهها باقٍ ، بعد تيهٍ، قصيدةَ شوقٍ وحنينٍ وغناءْ.
وجهها ليالي العمر العتيق والآتي الجميل. فيه عتاقة الأشياء وجديد الغد. كيف يغدو الوجه كتابًا لا حرف فيه ولا نصّ. يصير الوجه تمتمة شفتيك وتركيز عدستَي عينيك واضطراب الخافق التَعِبِ. (Xanax) ما للوجع يستبدّ بالعاشقين أمام وجهها؟ ومن يستطيع أن يفهم كيف يصير الوجه رغيف خبز محيٍ، وقمرًا يضيء العتمة وقنديل سفر إلى معارج تتجدّد مفارقها ليصبح الضياع واقع المتوجّعين المحبّين؟