“كمشة رسايل لأمير اللّيل” لغلادس القزي… عامية مصقولة وشغف بحب العودةِ
سليمان يوسف ابراهيم
امرأَةٌ، سيّدة الصِّدفَتينِ هي، في دفتر أَيَّامي: الأُولى، يوم تصافَحْنا على صفحاتِ صحيفةِ “المُستقبلِ” الأُستراليّة، وموقعِ “أَفكار اغترابيّة” الإلكتروني، الذي خرجَ من رَحم “مشروع د.جميل ميلاد الدّويهي للأَدبِ الرَّاقي” في سعيهِ لبَثّ لغتنا العربيّة نبضًا نهضويًا مُتجدِّدًا، ونَجح. أَمّا الثّانية، فكانت يومَ التقيتُها في عنَّايا بلدتي، وأَتحفَتِ اللِّقاءَ بأن أودعتْني كتابَها،والكثيرَ من شُغلِ البالِ، لأَنِّي لا أَمرُّ بسيلِ الحبرِ لِمَامًا. فاستوقفني يمّه بالمحكيّةِ نصوصًا، تَجيشُ بالحبِّ موجةً،بالحنينِ موجةً وبالوجد والوجدان خِضَمًّا…
أَمّا المُفاجأُةُ، فكانت لحظة تمنَّتْ علّي الصّديقة غلادس القزي، أن أَتحدَّثَ عن كتابها، ولم يكن عمره على مكتبي أَكثر من أَيَّامٍ ثلاثة بعدُ. ونحنُ، لا نزال نسبحُ في كمّ من المُناسباتِ ولقاءاتِ التَّكريم، مع الوفد الثَّقافي الإغترابي.
وبدأتْ مغامرتي، وبِتُّ في دوَّامةٍ: بين أن أَقرأَ في صفحات الكتاب، أو أن أَتصفح أَمائرَ تلكَ المرأةٍ المُرتسمةِ على أَشرعة الورق؟ وما كانت منِّي إلاَّ سَوحةٌ حطَّتْ بي على شاطئ امرأةٍ، أَلفيتُها تسكنُ كلماتها. هي امرأةٌ، تحيا مع أَميرِها-طفلِها الصّغير- المُحتاجِ إلى تفيُؤِ ظلالِ قلبِها الوَدودِ، لينبضَ فرحًا حالِمًا، ما دامت له الحياة. غلادس الحبيبة، واثقةٌ من مدى تأثيرِ لُغةِ العيون في حكايا العاشقينَ، والتي تختمُ جراحًا وتبني لأَعراس الحبِّ أَيراجَ جنَّةٍ مُضاءةٍ، بقلب حبيبةٍ تخافُ على حبيبِها، وتلقى في رعايتها له حتميّةً لا مفرَّ منها، ليستقيمَ نبضُ الحُلمِ في علاقتِهما.

هي، فهمت حبها لحبيبها، كفاحًا مع أَمير قلبها، في سبيل الحفاظ على حبِّه. ومن يقرأ قلب الأَديبة غلادس، ويتهجى نبضه، يتأكَّد لديه أنَّ أَمير ليلها واحدٌ ثابتٌ لا تبديل فيه، ومن دونه إن قرَّر الرّحيل عنها ستحيا حبيسة الذِّكرى.فالحبُّ عندها، قانون إيمانٍ بأَميرٍ أَحدٍ لا حبيب إلأَّه… فهي لا تعكف عن قراءة الحبّ دفءَ حضورٍ بين يديه؛ وغمرُ لُمَعٍ تتأجج في عينيها كلَّما حانَت منها التفاتةٌ إليه! فالحياةُ بالنِّسبةِ إليها هبةُ الخالق، والحبُّ أَثمن هداياها؛ وما نفعُ أن نحيا إنْ جردنا قلوبنا من نبضٍ مُحبٍّ وخفقِ عاشقٍ يلهفُ إلى معشوقتِه؟
عجيبةٌ مُلفتةٌ هذه الحبيبةُ في عشقِها: تارةً تكتبُ رسائلَها إلى أَميرٍ من لحمٍ ودمٍ مصقولٍ يالمشاعرِ، وأُخرى أَلفاها تتوجَّهُ إلى طيفِ أَميرٍ ضائعٍ في غياهبِ التّمنّي متوهِّجِ الحضور… وتجلبِبُه بمعاطفِ حنانِها وملاءاتِ حنينِها حيثُ تستعيدُه تذكارًا، أو بعضَ حُلمٍ في الكرى… لكنَّها، في الحالينِ مُصرَّةٌ على التَّمسُّكِ بحضوره في يومياتها والأَماسي… حِمَمُ حُبِّها تصبُ عليه دونَ سواه، ولا تودُّ فيه تبديلًا أو عنه بديلا: فهو سيدُ القلبِ والمكانِ والزَّمانِ، وهي الكهرمانةُ الأَمينة على نيضِ حروفِ رسائلها ابتهالًا ونجاوىً لا تنقطعُ على مذبحِ أَيَّامِها التي تصرفُها في معبدِ حبِّه، دنانيرَ دنانير، من كلماتٍ مُشعَّةٍ: في قلبِها تتوهَّجُ، ومن شِغافِه تسيلُ، لتترقرقَ أَراجيزَ في وجدان أَميرٍ ونايٍ أُرفيِّ النَّغمِ…نتمنّى أَن نكونَهُ.
غلادس القزي
طوباكِ حبيبَةً يطفرُ نبضُ قلبِك حنانًا وحنينًا إلى أَميركِ وبلدتك الجِّيه- أَرض الميلاد- معجونَين بدمعِ الإنتظارِ و التَّمنِّي، خوفًا من فقدِك لحضور أَميرك نبضًا مُقيمًا في رسائلِك إليه، وشغفًا بحب العودةِ رغبةً بديمومةِ بقاءٍ، نسجَتِهِ رسائلَ، بعاميّةٍ مصقولةٍ تدغدغُين بها وجداناتِ قرَّائكِ في الوطنَينِ، وتلامسينَ أَرواحَهُم، فتستوطنُ كلماتُكِ القلوبَ والعقولَ، ليُزهرَ أَميرُكِ حضورًا ريِّقًا في البالِ رجلًا ووطنًا، لا يهجران قلبكِ، فتشعُّ لياليكِ حينَها أَلقًا ،كلَّما داعبَتْ أَناملُكِ ريشةً!
كتابُكِ سيِّدتي، فيه من قلبِ المرأةِ ما يستحوذُ منِّي على الكثير.لكنَّ، على ما جاءَ عندَ الكبيرِ سعيد عقل: “إِن الربيعَ ببعضِ العُطرِ يُختصرُ”
مُباركٌ بكرُ نتاجاتكِ، باسمي واسم مُنتدى “لقاء” ومؤسِّسه الدّكتور عماد يونس فغالي، وإني على ثقةٍ، أنْ له إخوةٌ خلفَ بابِ الـمُنى ينتظرون.
****
(*) ألقيت في حفل توقيع كتاب اﻷديبة غلادس القزي “كمشة رسايل لأمير اللّيل” ؛على مسرح دير مار شربل _ الجيه مساء اﻷحد25 آب2019 “، في إطار جولة الوفد الثقافي اللبناني اﻷسترالي من مشروع د.جميل ميلاد الدويهي للأدب الراقي وموقع “أفكار إغترابية” إلى لبنان.