منيف موسى شمس تغرب

Views: 777

ابتسام غنيمه

 “قالوا هَرِمتَ!

فقلتُ: الشّيبُ مَفْخَرَةٌ

بعد العَناءِ، وبعدَ النّيلِ والأدبِ

هذي حياتي:

رَجاء في دُجى أملٍ

الشّعرُ كأسي، وأشواقُ الهوى أدبي”

 طلبت منّي أن أكتب عنك، أيّها العلّامة البحّاثة والشّاعر المبحر في اللّغة والأدب، فخانني القلم، وتناسيت، وسوّفت وماطلت، فإذا بالكلمات تمتزج بأسف شديد واعتذار كبير…

 

منيف سالم موسى، من مواليد بلدة الميّه وميّه جنوبيّ لبنان. بدأ دراسته في مدرسة قريته التي كانت تحديدًا داخل الكنيسة، فكانت مقاعد الصّلاة تخصّص لعدد صغير من أبناء البلدة لتحصيل الدّراسة. ثمّ تنقّل في عدد من المدارس: المدرسة الأسقفيّة في بلدة “أبلح” البقاعيّة، والمدرسة الرّسميّة في بلدته، ثمّ المدرسة الرّسميّة العالية في صيدا، فثانويّة صيدا الرّسميّة للبنين… وبعدها التحق بدار المعلّمين في صيدا واستمرّ يحصّل العلم والثّقافة حتّى حصل على دكتوراه دولة في النّقد الأدبيّ المقارن، ودكتوراه في الأدب العربيّ الحديث، وماجستير في الأدب العربيّ المعاصر، وليسانس في اللّغة العربيّة وآدابها، وشهادتين في دراسة الكتاب المقدّس، وحصل على رتبة أستاذ (بروفسّور) في الجامعة اللّبنانيّة بموجب مرسوم جمهوريّ.

إنّه صاحب مدرسة خاصّة ونظريّات متميّزة في الشّعر والنّقد، وهو إلى ذلك فنّان أنطق الجماد بإزميله كما بالكلمات، وقد شارك في معارض كثيرة للفنون الجميلة…

وهو شاعر اعتلى “القبّة الحمراء” وارتفع صوته في “مهرجان النّار”، وأتى عالم النّقد والشّعر والأدب مضمّخًا بجراح الجنوب:

“الجنوب قُبْلتي… وعزائي.

الجنوب بيتي السّاكنُ في الرّيح.

أيّتها الرّيح الجنوبيّة.

أيّها الخِصب الآتي من “حرمون”

أيّها المارد الطّالع من “الشقيف”

خلاصًا للبنان…

تحيّة وسلامًا”.

غير أنّ جرحه لم يكن الجنوب فحسب، بل هو “عاشق من لبنان” غنّى وطنه المشتعل مواسم حبّ وموت، فالتهبت ثورة حقّ وغضب على الحرب التي مزّقت كيان الوطن وشرذمته:

“وتمرّين بيروت في بالِ الدّهرِ

عصفورة

وتضيعين في غابات الأرزِ

وحقول البحر

فتموتُ أرصفةُ الشّرق

يا ذاتَ الشّمسِ الهمجيّة”.

لكن على الرّغم من هذا الألم الذي يعصف به حزنًا على وطنه، نجده يوقّع على دفتر الحبّ كتابات ملأى بعاطفة تذوب رقّة وحنانًا منذ “لنى” وحتّى آخر غزليّات كتبها، فإذا بالحبيبة امرأة ملتحفة ضباب جبال لبنان ومؤتزرة شمسه:

“تسكنيني بالشّوق الطّالع من الجبل

يا أخت الضّباب…

أيّتها السّمراء المغناج!

بين عينيّ وجسدك مسافةُ الشّعر…

عيناكِ السّحرُ المسافرُ في عينيَ

والبحرُ الذّاهب في ضمير الأفق”.

وهي ليست حبيبته فحسب، إنّما هي أحد منابع شعره:

“يكتنزك العشقُ فتتألّقين، وتغفو فوق صدرك القوافي قصائد خضراء تناديني”…

 

القصائد تناديك دكتور منيف، فهبّ من رقدتك الأبديّة إلى خلود أبديّ مفعم علمًا وأدبًا.

أيّها الرّاحل العزيز!

كتبتَ الشّعر الكلاسيكيّ فأبدعتَ،

وكتبتَ شعر الحداثة فحلّقت.

تركتَ ثروة في النّثر والأدب فأثريت،

وخلّفتَ ميراثًا من القيم الإنسانيّة والوطنيّة لو تزوّدنا ببعض منها لكنّا خير بنين…

وكما قال فيك شاعرنا الكبير سعيد عقل: سلمت ريشة تكتب بالسّيف”.

سلمت ريشتك ما بقيت الكلمة الشّعريّة الأصيلة وسيلة التّعبير الأرقى والأجمل؛ فهي لن تعرف الفناء ما دام إرثك خالدًا متوارثًا متناقلًا بين طلّابك وأحبّائك ومعارفك…

إنّها باقية ما بقي لبنان! ولبنان سيبقى بإذن الله كما أردت في وصيّتك: “مجذّرًا شرقيًّا، منفتحًا، بعيدًا عن عبث العابثين، قادرًا على حماية نفسه بنفسه دون طمع الطّامعين. ولبنان قبلُ وبعدُ، وطن من الصّغر في مساحته، والكبر في الطّموح، له حقّ البقاء”.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *