الخيلُ واللّيل: والمتنبّـي وليد جنبلاط
الوزير السابق جوزف الهاشم
في تصريحٍ مسجلٍ بصوتـه تناقلته وسائل الإعلام ، تنبَّـأَ وليد جنبلاط ذاتَ يـومٍ وقال : “أطالبُ بمحاكمتي ومحاكمة الآخرين ، لا يستطيعُ أيُّ زعيم أنْ يقول إنّـه بـريءٌ من دمِ الأبرياء … كلُّ الزعماء مجرمون ، ومن أجل الوصول إلى حـلّ سياسي عادل في لبنان لا بـدّ من الإقتصاص من الجميع ، وإلاَّ فسنبقى في دوّامة الحروب اللاّمتناهية …”
صحَّ ما تنبّـأ بهِ البيك ، وكأنّه كان أيضاً يتنبّأ بحرب الكورونا الآتية من الصين .
ولبنان ، منذ أنْ كان الطائف ، لا يزال يتراقص بين حربٍ وحرب ، الصامتُ منها أكثرُ فتكاً .
ميـزةُ وليد جنبلاط أنّـهُ وإنْ كان متّهماً يتحـوَّلُ إلى بـريء عندما يطالب بمحاكمته على طريقة الشاعر الفرنسي فولتير .
وميزتُـه ، أنه بما تنبّـأ بـه نجـا ، بخلاف أبي الطيِّـب المتنبي الذي قتلَـهُ بيتُـه القائل : الخيل والليل والبيداء تعرفني .
“الزعماء المجرمون” لا يخجلون ، يعتلون المنابر ولبنان في سرير الإحتضار ، يتبادلون الإتهام كالملائكة التي تتحدّث بلسان الشياطين ، والآلـةُ الكلامية عندهم التي إسمها اللسان آلـةٌ قاتلة بالسُـمِّ الأخلاقي .
بواسطة المحاكمة الذاتية وضع جنبلاط حـلاًّ للخطّـة الحكومية ، فإذا كان الزعماء “المجرمون” لا يستطيع أحـدٌ أنْ يوجّـه إليهم إتهاماً ولو على ورقٍ من الورد ، فالحـلُّ بأنْ يحاكموا أنفسهم إنْ لم يكن في المحكمة ، فعلى طريقة الحجْرِ العدْلي إلى جانب الحجر الصحّي .
ثمـة خطـةٌ أخرى سهلةُ المنال لاسترداد المال الحلال من “الزعماء المجرمين” ، إقترحها الوزير السابق وئام وهّاب وهو شاهدٌ من أهله ، ومن على منبر تلفزيون المنار قال : “أنا مستعدٌ على أنْ أدلي بأفادتي أمام القضاء عن الصندوق الأسود في ملف الكهرباء وحدها ، والذي يـوزِّع 300 مليون دولار سنوياً على خمسة زعماء يتقاسمون هذه المبالغ منذ عشرين سنة على الأقلّ ، وأنا مستعدٌ على أن أكشف أسماءَهم واحداً واحداً …”
خمسة زعماء ولا حاجة للتسمية ، حتى وإن تلعثم لسان وئام وهّاب بسبب الكمّامات ، أوْ تعامتْ عنهم الحكومة وتجاهلهم القضاء ، فإنّ الشعب يحاكمهم ، يعرفهم بأسمائهم وألقابهم والهوّيات وأسماء الأمهات ورقم السجل وفئة الدم الأحمر ، وبما كان عليه وزْنُـهم قبل استباحة السلطة ، وما أصبح عليه مـالُ القبَّان بعدها .
هذا في ملفّ الكهرباء ، فماذا عن ملفات المشاريع والتلزيمات واستيراد الحليب من السعودية والبطاطا من مصر والقمح المدعوم من أوكرانيا والقمح والشعير من روسيا وغيرها ، مع فوارق الأطنان والأسعار ، وكيف كان الطحين المدعوم والمازوت المدعوم يضلّ طريقه إلى سوريا .
وهذا أنموذج عابـر عمّـا يعبـر في المعابر الشرعية وغير الشرعية من أطنان قمحٍ ومال يبتلعها الزعماء “المجرمون” ، ويبقى للشعب الفقير بضعـةُ أكياسٍ من الشعير كمثل سابق عهده في الحروب الكبرى والمجاعات .
أيّ خطّـة تطرحها الحكومة في ظـلِّ هذا السيل من الفضائح …؟
وأيّ أمـلٍ يُـرجى ، إنْ لم يكن الحكام فرساناً يمتطون الخيول ، ويرضون بركوبِ الكراسي على ما يقول الشاعر :
وما عنْ رضـىً كانَ الحمارُ مطيَّـتي
ولكنَّ مَـنْ يمشي سيرضى بما رَكِـبْ .
***
(*) الجمهورية 15/ 5/ 2020