سجلوا عندكم

فضلو حوراني التاجر الهادئ و النهضوي اللبناني العربي 

Views: 528

سليمان بختي

يسجل كتاب ” فضلو حوراني التاجر الهادئ في مانشستر” (1) لسيسيل وزلفا حوراني (ابن وحفيدة فضلو) ماهو أبعد من سيرة و نشاطات فضلو حوراني (1871-1960) أحد قادة المجموعة المتحدرة من أصول عربية في مدينة مانشستر التي دعمت الحملة البريطانية في الشرق الاوسط في الحرب العالمية الأولى فثمة أذن التاريخ.

هناك تاريخ العائلة الذي يصبح جزءاً من التاريخ الاجتماعي للبنان ولمنطقة الشرق الأوسط. وهناك تاريخ المنطقة العربية وكيف خضعت للوصاية والاحتلال من قبل القوى الاستعمارية. وهناك التحولات السياسية والتحولات الاجتماعية والثقافية. إنها سيرة الهجرة. وكذلك الإنجازات في المدرسة والجامعة (تخرج من الجامعة الاميركية في 1890) والسعي الدائم إلى التنمية والتطوير والإصلاح والتحسين، وبهذا المعنى يظهر فضلو حوراني كأحد النهضويين في لبنان والعالم العربي الذي سعوا إلى تحقيق الاستقلال والتقدم وبالارتكاز على العلم وعلى المبادئ الأخلاقية الصلبة. وإذا كانت سيرة فضلو حوراني تحمل هويته وذاتيته ولكنها بمعنى ما سيرة جيل حاول أن يبني ويغير ويستقل ويقول كلمته بإرادة وكرامة رغم كل شيء. وسيرة امتزاج الخاص بالعام والانغماس في قضايا الشعب والمجتمع.

في فصل بعنوان ” فضلو والحرب العالمية الأولى”

 

يتضح أن فضلو حوراني كان يرأس المجموعة التي تدعم التعاون البريطاني مع الشريف حسين. والهدف هو الوصول إلى دولة عربية موحدة تشمل سوريا وفلسطين والعراق والأردن ولبنان والحجاز. ولكن مع تقدم المفاوضات والأمر الواقع على الأرض يبني فضلو قناعاته من خلال لقاءاته مع مارك سايكس بأنه “يلعب على الحبلين” وأنه يتناقض في موقفه بحسب اجتماعاته مع شريكه جورج بيكو (سايكس_بيكو). وبالتالي انكشف الموقف عن اتفاق سري مع فرنسا يجعلها الدولة  المنتدبة على سوريا ولبنان.

 لا يتوقف فضلو حوراني في سيرة الغربة أو سيرة الإقامة لحظة عن استئناف نشاطاته دوماً، وفي عمله الناجح في حقل المنسوجات والأقمشة.  وكان دائم الانتقال والسفر لإتمام صفقاته بين بريطانيا والبرازيل ولبنان وأميركا. ولكن انشغاله الآخر يظل يضيء حياته من خلال تعاطيه بالشأن العام والخدمة الاجتماعية والأعمال الخيرية والنشاطات الثقافية والتعليمية.

ولكن التاجر الهادئ والناجح في مانشستر لا تبقى أعماله التجارية تشهد النجاح فقد تأثرت سلباً بعد الحرب العالمية الثانية مع تعرض مكاتبه في مانشستر إلى القصف والتدمير والذي دمر معه سجلات حياته التجارية وملحقات نشاطاته العامة. وبات من الصعب أن يستمر فضلو حوراني بالقيام بالرحلات التجارية الناجحة.

 ورغم ذلك لا تتوقف جذوة العمل بل يندفع فضلو حوراني باتجاه الدور الإذاعي الإعلامي التثقيفي في هيئة الإذاعة البريطانية في لندن (1940-1947). محاولاً أن يعبر عن المواقف التي آمن بها والتي تهم لبنان وبريطانيا والعرب. كأن إقامته المديدة في بريطانيا ساعدته في بلورة رؤيته وأفكاره باتجاه الهوية.

 وضح ذلك في كتاباته في مجلة ” القلم الصريح” في الأربعينيات. وكقنصل فخري لشمالي بريطانيا أقام فضلو علاقات وطيدة مع رجال و سفراء عهد الاستقلال في سوريا و لبنان وتقديم العون والمساعدة و المشورة في كل أمر وقضية تهم لبنان  سوريا وبريطانيا. في فصل بعنوان “فضلو وفلسطين” نقرأ وعي فضلو بأنه في الشرق ليس هناك مواقف معادية لليهود  باعتبار أنهم “أهل كتاب ” ويميز في موقفه من فلسطين بين اليهودية و الصهيونية . و يؤكد أن تأسيس  دولة يهودية في فلسطين أمر سخيف وسياسة فاشلة. يستعد فضلو حوراني دائماً لتحقيق إنجازات للإنسان في بلادنا، لقوة المجتمع في العلم والمعرفة. عمد فضلوإلى جمع التبرعات من المغتربين اللبنانيين والعرب في بريطانيا وأميركا والبرازيل . ونجح في تأسيس وبناء كلية مازالت قائمة في بلدة مرجعيون وتخرج التلاميذ. كما ساهم في دعم مستشفى الأمراض العقلية في لبنان.

 

لبث فضلو حوراني في ال 15 سنة الأخيرة يدعم ويساعد “كلية مرجعيون الوطنية ” في مسقط رأسه . فهو عاد إلى لبنان لا ليتقاعد أو يمضي سنواته الاخيرة، بل ليجدد العلاقة مع عائلته وجيرانه وأقربائه ومتابعة دورة التأسيسي لكلية مرجعيون الوطنية (1946). وظل متمسكاً بحبه للثقافة ومنتمياً إلى هويته اللبنانية والعربية. ووفيّاً أيضاً لبريطانيا بلد الاغتراب الذي صنع نجاحه. عاش فضلو حوراني عصره حتى الثمالة بوعي وبالموقف النقدي من الأشياء والقضايا والأخرين وفي مسلحة مشتركة  بين بلدين بدون أن يوزع ولاءاته بل استطاع أن يجمعها ويصالحها. وبهذا المعنى لم يكن فضلو حوراني على حد سيسيل وزلفا – مهاجراً بل مغترباً استفاد من تجربته إلى أبعد الحدود لخدمة الإنسان والقيم في الوطن والمغترب.

لم يترك  فضلو حوراني كتاباً بل ترك  يوميات و رسائل و مقالات وكتابات بمجلة كانت تصدر عن الإذاعة بعنوان ” المستمع العربي”  ومحادثات و خطب و مواقف . كانت حياته كلها  بمعنى ما تدور على هذه المحاور، وأثر كل ذلك على أسلوبه بالإنكليزية والعربية. أسلوب يخصه وحده .

و ظل على همته في  السفر فسافر إلى البرازيل لأجل تبرعات لبناء حرم جديد للكلية وللأسف لم يشهد  وضع الحجر  الأساس . و كانت سفرته الأخيرة إلى تونس آذار 1960. 

توفي فضلو حوراني في 28 حزيران في اكسفورد عن عمر 89 عاماً تاركاً الأثر الطيب والعبرة في بلده وفي عالم الاغتراب اللبناني والعربي . ووالداً فخوراً بعائلته وأولاده جورج الأكاديمي في جامعات أميركا، وألبرت المؤرخ والمفكر في “كلية سانت أنتوني” في “جامعة اكسفورد” العريقة في بريطانيا، وسيسيل الشريك المؤلف في هذا الكتاب والمستشار للرئيس بورقيبة في تونس وولي العهد الاردني الحسن بن طلال وصاحب المؤلفات الاكاديمية والبحثية.

قصة فضلو حوراني في هذا الكتاب قصة حقيقية لإنسان لا يتقدم إلا بخطوة واثقة ولا يبادر إلا بإيمان صلب. عاش متصالحاً مع ذاته ودينه وهويته اللبنانية وثقافته العربية والإنكليزية. وعرف دائماً كيف يوظف خبراته وتجاربه ومعارفه لأجل إضاءة الجانب المظلم في حياة البشر عن طريق العلم والمعرفة وقيم الحق والخير والجمال .

***

(1) انطوان –في 405 صفحات بالإنكليزية –2020

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *