نزار دندش يروي… “كورونا بين انتفاضتين”

Views: 956

أمل ناصر

في شهورٍ حالكة شهدتْ ظهور فيروس كورونا وانفلاته، ومن ثم تفشّيه وانتشاره في أرجاء العالم، كان الروائي الواقعي نزار دندش يكتب روايته “كورونا بين انتفاضتين” التي تؤرِّخُ للحدث الذي لم يبق إنسانٌ على وجه الأرض الّا وتفاعل معه تفكيراً وعاطفةً وحَجْراً صحياً وتباعداً اجتماعيا.

البداية مجهولة والنهاية ما زالت مجهولةً والتحليل مفتوحٌ على شتّى الاحتمالات. القراءات متباينة، والمصالح الاقتصادية تطفو على السطح، وأصحاب المصالح يضغطون على المسؤولين في حكومات العالم التي تتلقى أيضاً ضغوطاً شعبية غير مسبوقة، وتزاحم الآراء مردُّهُ إلى تعدّد الثقافات والخلفيات والارتباطات وتأثير آراء المحلّلين الذين يظهرون في وسائل الاعلام .

ملخّص القراءات جاء على ألسنة أبطال روايةٍ، يمكن تسميتها رواية ال “أونلاين”، لا تسمح لهم ظروف الحَجْرِ بالاجتماع حين يشاؤون، ولا بحريةٍ الحركة، كما يريدون، فهم يتواصلون عن بعد، معتمدين على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى الهاتف الأرضي والهاتف الجوال. المعلومة لا تصلهم عن طريق الحواس الخمس، بل عبر الأثير، فتكون أقلّ تأثيراً على العاطفة والوجدان.

الروائي نزار دندش

 

نزار دندش المتسلّح بعدة مواهب وعدة اختصاصات، كان سبّاقاً الى توصيف الواقع الجديد، فتمكّن من نقل الصورة إلى القارئ بواقعية دقيقة وأمانة تشبه الأمانة العلمية. بعض أبطال روايته الذين نسبهم الى الجهاز الطبي كي يؤمّن لهم بعض الحرية في الحركة جالوا في مناطق مختلفة فنقلوا صورة تعاطي المواطنين مع انتشار الوباء، كل من موقعه الاقتصادي ومن منطلقه الفكري، فأبرز دور العادات والتقاليد في تظهير النظرة الى الوباء وفي التصرف إزاءه. أما الأصدقاء الذين يسكنون في المغتربات فكانوا بمثابة مراسلين ينقلون الى البطل الرئيسي في الرواية، غسان، أجواء المشاعر الشعبية في عدة بلدان مؤثّرة .

لقد تجنّب الكاتب إغراق روايته بالأخبار التي تنقلها وسائل الإعلام على مدار الساعة، فاكتفى بالإفادة منها أثناء تحليل التعاطي الجماهيري مع الأحداث، لكنه نقل اجواء التفاعل بين تصريحات القادة وآراء العامة، وتناقض المصالح الاقتصادية التي تصل احياناً الى حدود المصالح الحياتية، مع المصلحة الصحية العامة التي تحرص على محاصرة الوباء.

تطورات أزمة الكورونا وتطورات أحداث الانتفاضة التي شهدها لبنان كانت حاضرة في المحادثات الهاتفية التي كانت تجري بين البطل الرئيسي، غسان، وحبيبته جيهان، على مدار الساعة، وعلى امتداد الرواية.

 

في المواقف العصيبة التي ترافق الأزمات المصيرية الخطيرة تختفي بعض اللياقات المصطنعة وتطفو على السطح تلك التصرفات التي تُبرز ما تختزنه النفس البشرية من أنانيات مُخبّأة. وقد ظهّرت الرواية الكثير من تعاطي الدول الفظّ فيما بينها، والكثير من تعاطي الأفراد انطلاقاً من اصطفافات مسبقة . كما رصدت الرواية اختلافاً في التعاطي مع المسنين بين الشرق والغرب، وأبرزت في أجزاء منها التمايز الواضح بين نظرة العلم الى الوباء ونظرة خبراء الاقتصاد والمال الى الجائحة .

رواية الدكتور نزار دندش “كورونا بين انتفاضتين” الصادرة عن دار ناريمان، روايةٌ مُشوِّقة، أبطالها يعيشون بيننا ملتزمين بالحَجْرِ الصحي الذي ما زلنا نلتزم به. أسلوبها سهلٌ ممتنع . فيها كمٌّ وفيرٌ من المعلومات القيّمة. فيها تحليل نفسي لضحايا الوباء ، وهواجس بارزة لكبار السنّ الذين يشعرون بأن منظّري الاقتصاد يدفعون بهم الى الهاوية .

” كورونا بين انتفاضتين ” رواية أنصح بقراءتها ، ومن يقرأها يشعر بأنه يقف على قمة مشرفة على عالم محشور في بقعةٍ ضيقة .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *