مواسم حصاد
د. جان توما
لم أتصالح في حياتي إلًا مع نفسي ودجاجاتي. أعرفها واحدة واحدة. أطلقها صباحًا من الخمّ وأعيدها مساء إليه.
كنت أمارس، أحيانًا، سيادتي عليها، أمازحها، أتبعها، وأحيانًا كانت تتبعني إن تساقطت منًي حبّات محصول من شبه شوال أحمله على كتفيّ.
كم لهوت معها؟ وكم استيقظت ليلًا كي لا ينشغل بالي عليها؟ ألقي عليها شال الليل وأكشف حجاب نور الفجر باكرًا. لا أعرف كيف نشأت بيننا هذه العلاقة التي تشبه شكل البيضة وتاريخها. أخرج كلّ يوم جامعًا بفرح البيض الطازج، أضعه في آنية جمعتها من هنا وهناك، أنقلها برفق وحرص، فهي ثروتي ورأسمالي. يمرّ الناس أمامي وأنا جالس كالمنتصر أمام محصولي، يحدّق فيّ بعضهم كي أطلب منه شراء بعضه، يحارجني، يجادلني. لو يعرف كم تعبت لأجمع هذا المحصول الطيّب.
أبيع ما أبيع، وأعود إلى كوخي الصغير، أسير بهدوءٍ كي لا تسألني دجاجاتي عن بيضها الذي انتظرتُهُ طويلًا لاستبدله برغيف خبز، أو بشيء من العدس والفاصوليا.
أحمل سنواتي التي توقّفت عن عدّها، إذ لم أعد أهتم بها منذ أن لم يعد أحدٌ يهتم بي. صرتُ أتلهّى بعدّ الدجاجات، أطلق عليها الأسماء والألقاب. صار عمري من عمرها، فهي زادي ولهوتي وحاضري.
هذه دجاجات العمر الأخير حيث لم أعثر في حياتي على الدجاجة التي تبيض ذهبًا، ومضت أحلامي كما تمضي أيامي.
أنتظر شاريًا كي أتقي مرّ الزّمان. أعود إلى الأرض لأرتشف ماءها وحصادها في أواخر نضوب بئري ومواسم حصاد مشارف المطلً الآخر. (Xanax)
(*) الصورة رمزيّة