وتعطّلت لغة الكلام

Views: 371

خليل الخوري  

إذا تعطّل الحوار في لبنان تعطّل كلّ شيء فيه. هذا بلد الحوار الدائم. لقد نجحنا في الحصول على موافقة أممية لأن يكون هذا الوطن الصغير بلداً للحوار بين الثقافات والأديان، وعجزنا عن أن نُقيم حواراً في ما بيننا. لبنان لا يمشي بالأكثرية والأقلية. ولا تقوم له قائمة إلا بالحوار خصوصاً في غياب النظام الحزبي الحقيقي الذي ينطلق من التنوع. وهذا ليس بالأمر الذي لم نعرفه. فتجاربنا الوطنية كثيرةٌ وناجحةٌ في هذا المجال.

التجربة الأولى كانت في الحوار الوفاقي الذي قاده الزعيمان الكبيران الرئيسان المرحومان بشاره الخوري ورياض الصلح اللذان إنتشلا لبنان من هاوية عميقة إلى معادلة “لا للشرق ولا للغرب”، التي أشرنا إليها غير مرّة سابقاً، وأسفرت عن صيغة وميثاق وطنيين إنبثق منهما إزدهارٌ وأمانٌ ورخاءُ عيشٍ وبحبوحة ودورٌ رياديّ لهذا البلد الصغير في إقليمه وفي العالم الأوسع، وكانت ليرته عملة صعبة بالمعنى الحقيقي للكلمة.

والتجربة الثانية نظام الحزبين عندما توجّه اللبنانيون بعضهم إلى حزب الكتلة الدستورية بقيادة بشاره الخوري، وبعضهم الآخر إلى حزب الكتلة الوطنية بقيادة إميل إده. والأهم أنّ هذين الحزبين لم يكونا طائفيين أو مذهبيين، إذ كان الأعضاء مسيحيين ومسلمين سنّة وشيعة ودروزاً.

والتجربة الثالثة تمثّلت بـ”النهج” و”الجبهة اللبنانية”، الأول بقيادة فؤاد شهاب والثاني بقيادة كميل شمعون. هنا أيضاً كان في كلّ من الفريقين شخصيّاتٌ تُمثّل الأطياف اللبنانية كلّها. ولتكتمل الصورة الديموقراطية، نشأ “تكتل الوسط” بين الجانبين، وكان يضمّ شخصيّات من مختلف الأطياف كذلك، أمثال الرؤساء سليمان فرنجية وكامل الأسعد وصائب سلام وآخرين مثل فضل الله تلحوق وحبيب كيروز …

أما اليوم، فمن أسفٍ، ليس الإصطفاف طائفياً وحسب إنما هو مذهبيٌ كذلك … والأحزاب ذات الحضور والفاعلية هي هيئات مذهبية بعضها “مُطعّم” ببضعة وجوه من طوائف أخرى وهي محدودة الفاعلية.

والأنكى أنّ قنوات الحوار متوقّفة كلّها فيما نحن في أشدّ الحاجة إليه، مع هذا الكمّ الهائل من الأزمات الضاغطة في كلّ مجالٍ وإتّجاهٍ ومرفق.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *