الكرسي الباقي هنا
د. جان توما
قُم من وجعِك إلى حيث السماء ترحّب بكلّ نزيل.من ذاك الجرح يأتي الإنسانُ مختومًا بالأنين، ولو كان الفرحُ يتمرّد إلى ألم الحياة. كيف يخرجُ المرءُ من وجع إلى آخر؟ وكيف يتلقفُ كرةَ النار التي تحييه بين يديه ليودِعَها قلبه؟
يسعى المرءُ في سني حياته أن يطلع من عجزه، وأن يكون مبدعًا، وأن يسجّل في التاريخ إنجازات. تمضي أيامه عجلى وهو غارق في أحلامه التي قد تمهله أيامًا أُخَرْ. ما هذا الوقت الذي يمرّ وكأنّه ينسج كفنًا بتؤدة حول جسدك؟ كيف يحيط هذا الوقتُ بالإنسان ،كما العنكبوتُ ينسجُ خيوطَه بدقّة وطول أناة؟
سيتركُ الإنسان يومًا كرسيّه الذي يقيّد حركته لينطلق بلا عجلات إلى فضاء الحرية، حيث لا جاذبية تشدّه إلى محدوديته فيما يسعى إلى اللامحدود.
لكلّ واحد كرسيّه. يتمسّك به: سلطة، صدارة، تقديما. لكن الكرسي باقٍ هنا، لا تستطيع أن تأخده معك. أنت رائح فاترك شيئًا من بعض ذكرياتك المفيدة هنا، تحرّر من كلّ قيد، واحمل قلبك خارجًا إلى العالم قبل أن يلتهمك تنينُه. لا تنظر في عينّي التنين ولا تدخل قلب عاصفته. اخرج منه إلى جوف العالم وفجّر الحريّة التي فيك.
هنا في المقابر قلائل هم الأموات ، وكثيرون من الأحياء هناك لا يغتسلون بماء السماء. كلّ جماد قضية موت أو استسلام، أمّا المنتظر فسيبقى منتظرًا، قد يفوته القطار أو تفوته الشهادة المقدّسة.
أترك هنا كر سيّا صار جزءًا منك، شيئًا من رباط الوجع يجمعك به. دواليبه مسرى حياة لكنه باقٍ هنا وقد تحرّرت أنت إلى حيث لا وجع ولا حزن بل حياة لا تفنى.
على الرّغم من كلّ حرّيتك هنا، أنتَ مقيدٌ. تؤلمك قيود المذهبيّة والطائفية والتعصّب والعنصرية وغيرها، لكنَّ الغريب أنّك متى قمت من كرسيّك إلى فوق، تسقط قيودُك الأرضيّة لتكسبَ المحبةّ السماوية على قدر ما كتبتَ في دفترِ الرحمةِ الأرضيّة. فاسأل نفسَكّ : ماذا كَتَبْتَ؟