متحف “نابو”… صرح حضاري وتاريخ من “اليأس والأمل”
خضر الفيحاوي
بدعوة من مدير عام “الدولية للمعلومات” وأحد مؤسسي متحف “نابو” الكاتب/البحّاثة جواد عدرة وعقيلته نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدّفاع زينة عكر، زار وفد من مجلس نقابة الصحافة اللبنانية برئاسة النقيب عوني الكعكي المتحف، الذي يضم مجموعة قيّمة من الآثار والتحف والأعمال الفنيّة، التي تضيء على تاريخ لبنان الحديث، إضافة إلى حضارة بلاد مابين النهرين والفنون القديمة والمعاصرة…
يقدّم المتحف مساحةً واسعة لأنشطة ثقافية متنوعة. بالإضافة إلى معارضه وعروضه التي تتغير دورياً، ويشمل مكتبةً تضم عدداً كبيراً من الكتب والمخطوطات النادرة يعود بعضها إلى بدايات الطباعة في بلادنا (ككتاب «ميزان الزمان» الذي طُبع في ضهور الشوير والنسخة الأولى من كتاب «النبي» لجبران بالعربية وبالإنكليزية).

وللمناسبة، ألقى النقيب الكعكي كلمةً شكر فيها السيّد عدرة وعقيلته على حسن استقبالهما وكرم ضيافتهما، معربًا عن سعادته والوفد بتلبية الدّعوة لزيارة هذه المنارة الحضارية القائمة على أحد أجمل شواطئ لبنان وحوض المتوسّط .
وأثنى الكعكي في كلمته على الوزيرة عكر، التي “كان اختيارها لمنصب وزيرة الدفاع مفاجئًا كونها اوّل إمرأة تتبوأ هذا المنصب (إضافة إلى منصب نائبة رئيس الحكومة) في لبنان والعالم العربي”، وقال “إنّ الثّقة والفرحة بتبؤها لوزارة الدفاع كانا موجودين منذ إشاعة نبأ اختيارها، وذلك كونها إدارية من الطراز الأوّل ولها باع طويلة في التنظيم، ما يؤهلها لإدارة العمل في وزارة الدّفاع الوطني وتطويره.
واختتمت الجولة في أرجاء المتحف بزيارة الوفد لدارة عدرة وعكر المجاورة، حيث استكمل اللقاء بجلسة على “فنجان قهوة” تبادل الأطراف في خلالها الاحاديث العامة والثقافية، التي دارت حول هذه “الأيقونة الفنية والحضارية” التي يُمثلها، كإطار لوجه لبنان الحقيقي، من على شاطئ المتوسّط، الذي صدّر الفينيقيون منه الحرف والحضارة إلى مختلف أرجاء العالم.

“يأس وأمل”
يقدّم “متحف نابو” مساحة لعرض الأعمال الفنية ويعمل كمؤسسة للحفاظ على ارتباط المجتمعات بثقافتها من خلال البرامج التعليمية والتدريبية والجولات المنظمة والمحاضرات العامة والمعارض الإرشادية التي يوفرها. وفي هذا الاطار يستضيف المتحف، في الفترة الممتدة من 20 حزيران الفائت وحتى 20 أيلول المقبل (2020)، معرضًا فنيًّا بعنوان “يأس وأمل، عندما يتبصّر الفن الحرب والتاريخ”، يؤرِّخ للحرب في لبنان (1975-1990)، عبر مجموعة من الملصقات والصور الفنية.
ويقول منظمو المعرض في هذا الصدد إن “منطقة بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، منذ انهيار الخلافة العثمانيّة قبل قرن من الزمن، شهدت اضطرابات إقليمية ونزاعات داخليّة بوتيرة غير مسبوقة. ويقف العالم العربي بأكمله اليوم عند مفترق الطرق على جميع المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد تقرر تنظيم هذا المعرض (يأس وأمل) لأن مهمة متحف نابو الأساسيّة لا تقتصر فقط على الحفاظ على تراث المنطقة وثقافتها وتعزيزهما عبر تنظيم محاضرات ومعارض وبرامج تعليميّة وتدريبيّة، إنما ايضًا على اعلاء صوت الناس ورفع مستوى الوعي لديهم بشأن الصراعات في المجتمع”.

***
يشارك في هذا المعرض فنانون من لبنان وسوريا والعراق وفلسطين، يعرضون أبرز أعمالهم الفنية عن الحرب والتاريخ. وتجسِّد المنحوتات اللجوء والنزوح الملحمي للأمم في هجراتها القسرية، وتظهر الوجه المرعب للبشرية في أزمنة الحروب. وتصوِّر الملصقات والصور الفوتوغرافية دعاية الأحزاب السياسية والمليشيات وأعمال التمرّد وواجب التذكّر، إنما بأساليب مختلفة جدًا.
ويعكس هذا المعرض (عبر أعمال مختارة لكل من ضياء العزاوي، ليلى الشوّا، جنان مكي باشو، أحمد معلا، محمود العبيدي والفرد طرزي) ظروف الحرب والتاريخ وطرق التعبير عنها في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين، متناولا أحداث الحرب الأهلية في لبنان وما أصاب هذا البلد من تقهقر نتيجة غياب فكرة الدولة والفساد المستشري، كما يعرض انعكاسات “إرث” سايس بيكو ووعد بلفور، من حروب وصراعات في المنطقة.

***
إله الكتابة والحكمة
يقع “متحف نابو”، الذي يحمل اسم إله الكتابة والحكمة في بلاد ما بين النهرين، على ساحل البحر الأبيض المتوسط وتحديداً في رأس الشقعة شمال لبنان، وهو يقدّم مجموعة فريدة من نوعها من التحف الفنية التي تعود إلى أوائل العصر البرونزي والحديدي وإلى الحقبات الرومانية واليونانية والبيزنطية، بالإضافة إلى المخطوطات النادرة والمواد الإثنوغرافية.
تشتمل هذه المجموعة أيضاً على نماذج من الأعمال الفنية الحديثة المعاصرة العائدة لأهم الفنانين مثل أمين الباشا، هيلين الخال، شاكر حسن السعيد، محمود العبيدي، ضياء العزاوي، عمر أنسي، خليل جبران، آدم حنين، شفيق عبود، بول غيراغوسيان، إسماعيل فتاح ومصطفى فروخ بالإضافة إلى مجموعة من أعمال صليبا الدويهي الفنية النادرة.

***
ومن أبرز ما يتضمنه المتحف مجموعة فريدة من نوعها من الرقميات المسمارية التي يرجع تاريخها إلى الفترة ما بين 2330 و540 قبل الميلاد. تروي هذه الرقميات حكايات ملحمية وتوفر دلائل على النظم الاقتصادية الأخرى، ومعلومات عن الجماعات العرقية وخرائط المدن القديمة.
وقد قام الفنان العراقي ضياء العزاوي بالتعاون مع الفنان العراقي-الكندي محمود العبيدي بتصميم غلاف واجهات المتحف من الفولاذ (weathering or corten steel) المقاوم للتآكل، والذي تظهر عليه نقوش ورسوم بارزة تستند إلى معجم بصري أعدّه الفنان العراقي على امتداد سيرته المهنية الطويلة في الرسم والنحت والطباعة، وصمم العبيدي المتحف على شكل مكعب بسيط يتضمن مساحة داخلية مفتوحة يمكن التحكم بها بما يتلاءم مع برامج المعارض والأنشطة الفنية. ويضم المتحف مكتبة تحوي مجموعة كبيرة من الكتب حول الفن وعلم الآثار والتاريخ والجغرافيا ومجموعة من المخطوطات النادرة.

***
وبينما تقدّم مجموعة نابو لمحة عن تاريخ بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين الطويل، يوفر المتحف للفنانين الممارسين مساحة للعمل والعرض والسكن. فهو يعزّز الحوار البناء ويبث في النفوس روح الانتماء المجتمعي والسياسي ويشجع الفنانين المحليين على إنتاج المزيد من الأعمال الفنية الراسخة في تاريخ المنطقة أو الناقلة والمتنقلة بين ثقافات وتقاليد البلدان المتنوعة، وذلك لاستعراض الحقبات المشتركة والمساهمة الفعالة في تجسيدها عبر الفن الحديث.

***
ابن مردوخ
يبقى أنّ تسمية المتحف تحمل أبعاداً تاريخية وثقافية وحضارية كبيرة. فـ “نابو” هو ابن الإله مردوخ كبير آلهة بلاد/ شعوب ما بين النهرين؛ وتحديداً البابليين، فيما يشير البعض إلى أنه كان وزيره الأول. كان أصلاً إلهاً لأبناء سام الغربيين، ثم عرفه الأموريون في بلاد ما بين النهرين.
أول معبدٍ عرف له كان في بورسيبا (بلاد ما بين النهرين)، ثم انتقل إلى بابل ليكون إلى جوار والده/ سيده «مردوخ».

***
عرف أوّل الأمر باسم «نابيوم»، وكانت تكتب بشكل «مقطّع» أي «ناي بوم» (في العصر الأكادي)، وقد مر ذكره في التوراة (العهد القديم) باسم “نيبو” (Nebo)، وفي الآرامية (Nbw).
أصل التسمية تأتي من كلمة «منادي» باللغة الآرامية وكذلك اللغة الآشورية.
ويشير بعض الباحثين إلى أنّ كلمة «نبو» (نابو) تعني المذيع/ المبلِّغ والمعلن، بمعنى «الذي يدعو الناس» ومن هنا لاحقاً أخذت كلمة “نبي”.

***
على جانب آخر، فإن شركة «دي سي» للكوميكس خلدت الاسم من خلال شخصية تدعى «الدكتور قدر» (Dr. Fate)، حيث يعيش نابو (إله الحكمة) داخل «خوذة» تجعل من يرتديها يمتلك «قدراتٍ خارقة» و«حكمة لا متناهية». ولا تزال الشخصية مستمرة في قصص الكوميكس الرئيسية في الشركة حتى اللحظة.

***
