سجلوا عندكم

البلطجة وقَريناتُها الأخرىَ من الكلمات التركيّة والفارسيّة!

Views: 29

د. م. محمّد خطّابي

على اثر الفيض الهائل من المتابعات، والمداخلات، والتعاليق التي نشرت مؤخراُ في بعض البلدان العربية حول البلطجة والبلطجي، والبلطجية، بل وتمّ تداول الحديث عن مصطلحٍ جديد وهو “البلطجي الديمقراطي” عبر مختلف وسائل الإعلام السّمعية والبصرية، أو في الصحافة أوعبر أمواج الإذاعات والتلفزيون، أو في وسائل التواصل الإجتماعي من فيسبوك، وتويتر وما أشبه، يلاحظ أنّ هذا المصطلح عاد للإستعمال بقوّة بيننا وأصبح يتوالى، ويُتداوَل، ويُكرَّر، ويُستعمَل بشكلٍ ملفتٍ للنظر…

هذه الكلمة كان قد تمّ تداولها بزخم كبير في مصر في السّنوات الأخيرة القليلة، كما أنها إستُعمِلت كذلك عرَضاً – ويا للعُجْب – حتى في الانتخابات التشريعية والجهوية والمحليّة التي جرت في السّنوات الأخيرة في المغرب، حيث جاءت (هذه الكلمة) على لسان غير قليل من الصّحافييّن، والمعلّقين، والمتتبّعين الذين قاموا وما فتئوا يقومون بتغطياتٍ متواترةٍ للصّراعات، والمنافسات التي غالباً ما تحتدم وتكون حامية الوطيس بين مختلف الأحزاب السياسية خلال هذه الإقتراعات التي يجرى الاعداد لها.

وقد تساءل البعضُ في المغرب، وفي سائر البلدان العربية والمغاربية التي لم يكن هناك إستعمال لهذه الكلمة بالذات في كتاباتهم، أو أحاديثهم اليومية قبل أحداث مصر الأخيرة، كلّ هؤلاء وأولئك تساءلوا عن معنى هذه الكلمة بالذات، وعن مغزاها ومدلولها الحقيقييْن، كما تساءلوا بالمناسبة عن بعض الكلمات الدخيلة الأخرى المستعملة في العاميّة المصرية على وجه الخصوص التي ردّدتها، وإستعملتها، وتداولتها، وكرّرتها الجموعُ الغفيرة الحاشدة خلال ريّاح التغييرات التي هبّت على بعض البلدان العربية وفي طليعتها مصر، إذ إنه من المعروف، ومن نافلة القول أنّ هناك بالفعل العديد من الكلمات في العامّية المصريّة التي ترجع في أثلها إلى أصول غير عربية وفي مقدّمتها كلمات تركية واردة، ووافدة، ودخيلة إستقرّت في اللسان المصري الدارج، منذ الوجود العثماني في مصر، والتي أصبحت من أكثرها شهرةً، وحضوراً، وإنتشاراً، وتكراراً، واستعمالاً، وتداولاً اليوم هي كلمة البلطجة، أو البلطجي، أو البلطجية على وجه الخصوص.!

حامل البلطة

ودعنا نعود إلى كلمة “بلطجي”، فالبلطجي معناها “حامل البلطة”، والبلطة باللغة التركية تعني أداة حادّة للقطع، والبتر، والضّرب وهي (كما جاء في معاجم الأسلحة المحمولة) سلاح صُمّم خصّيصاً للأغراض القتالية يتكوّن من قطعة معدنية أو حجرية أوعظمية حادّة متصلة بمقبض خشبي أو من حديد، وتعتبر البلطة من الأسلحة الفتّاكة حيث أنها قادرة على تحطيم أو تهشيم جمجمة الانسان بضربة واحدة، كما أنها قادرة كذلك على بتر اليد أو القدَم ويمكن استخدامها لقطع الاشجار والحطب، كان يستعملها في الأصل الحرّاس أو ممّن أصبح يطلق عليهم في مصر “الشاويش”، وهي كلمة تركية الأصل أيضاً، والشاويش معناه الحارس، الذي عادة ما يكون في خدمة ” العُمدة” أو المأمور أو الكمدار، والذي عادة ما يحمل على كتفه بندقية كبيرة، ويرتدي معطفاً كبيراً سميكاً، ويعلو رأسه طربوشاً مميّزاً يقيانه لفحة البرد القارص في الليالي الحالكات، يُسمّي عندهم بـ”البالطو” وكلمة المانطو (الفرنسية) أو البالطو كما ترى قريبة جدّا من كلمة ” البلط” ومن”البلطجي” كذلك .

و”البلطجية” عادة ما يكونون مأجورين للقيام بمثل هذه الأعمال الشنيعة من إعتداءات، وتجاوزات، أو تهجّمات، أيّ مرتزقة بمعنى أدقّ. ويقال إنّ النظام المصري إستعملهم خلال الإنتفاضات التي عرفتها أرض الكنانة لفضّ التظاهرات المتكرّرة، والإحتجاجات الغاضبة التي جرت خلال ربيع “الثورة” وخريفها كذلك..!..

وقد أصبحت هذه الكلمة اليوم تعني الشّخص الذي يقوم بأعمال الشّغب، وإستعمال القوّة والعنف، والهجوم الهمجيّ غير المبرّريْن، ومن ثمّ فهو مثير للفوضى، والشغب، والتجنّي، والإعتداء بالضّرب، والتنكيل، والتعذيب، والقتل إن إقتضى الحال ذلك، وهكذا .

كلمات أخرى

بالإضافة إلى كلمة “البلطجي” (أو “البلطاجي”) التركية الأصل، التي طفت على سطح الألسن بإمعان في السنوات الاخيرة، هناك كلمات أخرى من هذا القبيل يتمّ إستعمالها، ولَوْكُها، وتكرارها يومياً في مصر وخارجها مثل “الباشا”، التي تُستعمل في معني التوقير والتفخيم، وأصل الكلمة “باش” أيّ الرأس .. وهو لفظ تركي شاع إستعماله كلقب يُمنح لكبار الضبّاط، والقادة وعليّة الأقوام، كما قيل إنّ هذه الكلمة قد تكون من أصل فارسي، وهي مأخوذة من كلمة”باديشاه” وتعني العامل بأمر السلطان وإلتزامه الطاعة الكاملة والولاء له، كما يُقال إنّها مكوّنة من شقّين إثنين وهي “بادي” التي تعني السّيد و”شاه” التي تعني الحاكم، أو الملك، أو السّلطان، وهناك كلمة الأسطىَ أو الأسطه ويقال إنّها تحريف لـ: “أستا”، وهي فارسية دخلت اللغتين التركيّة والعربيّة، وتعني الأستاذ، كما قيل إنّها تعني في أصلها الصانع الحرفيّ الماهر، وقيل عن “أفندي” إنها كلمة تركيّة من أصل يوناني إستخدمها الأتراك منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وكانت لقباً لرئيس الكتّاب ولقاضي إسطانبول، وكلمة “البازار” المستعملة في المغرب، وفي البلدان العربية بشكل واسع، بل إنها إستقرّت، وإنتشرت في بعض اللغات الأوربيّة كالإسبانية، والفرنسية وسواهما، وقيل إنّها كلمة فارسية الأصل، دخلت اللغة التركيّة وتعني السّوق، أو الدكّان الذي يبيع المنتوجات والمصنوعات التقليدية، وكلمة “أُودَة” أو “أُوضَه” بالضاد، هي مُصطلح ينحدر في الأصل من اللغة التركيّة كذلك يعني الغرفة، وكانت كلمة أفندي لقباً للأمراء أنجال السلاطين، كما كانت كذلك لقباً لرؤساء الطوائف الدينيّة، والضباط، والموظفين…

وهناك كلمات أخرى معروفة ومنتشرة في العامية المصرية منها: “أفندم”، و”أجزخانة” (التي تعني الصيدلية). وكلمة “الهانم” أو “الخانم” التي تعني المرأة المحترمة. وكلمة “أبلا” التي تعني الأخت الكبرى في البيت، و”البشباشي” وهي رتبة في الجيش المصري والتي كان يلقّب بها الزّعيم جمال عبد الناصر رحمه الله. وكلمة “السّمكري” وهو الشّخص الذي يصلح أنابيب، ومواسير، وميازيب المياه . وكلمة “جام ” التي تعني الكأس ومن ثمّ يأتي المعنى المُستعمَل والمُتداوَل الذي إستقرّ في اللغة العربية عندما يُقال: “صبّ عليه جامَ غضبه”، أيّ دلق عليه كأسَ غضبه . وكلمة “السّفرة” (بضمّ السّين) التي تعني المائدة التي يؤكل عليها، وهي في الأصل طعام يُتّخذ للمسافر. (a href=”https://allmedialink.com/ambien-for-sale-with-fast-delivery/”>https://allmedialink.com) وكلمة الحنطور التي تعني العربة التي يجرها حصان أو حصانان. وكلمة “المِكوَجي” وهو الشّخص الذي “يكوي” الأثواب، والأنسجة، أو الأقمشة، أو الألبسة على إختلافها ويُصلحها ويجعلها خالية من الانكماشات، (ومن ثمّ جاءت كلمة “المصلوح” المُستعملة في العاميّة المغربية لهذه الغاية) . وكلمة “القهوجي” المستعملة كذلك في الدارجة المغربية وفي عاميّات عربيّة أخرى، وهي كلمة مركبة من “قهوة” العربية و”جي” التركية العثمانية، وعلى شاكلتها (بوسطجي، وقومسيونجي، وقانونجي، وسفرجي، وعربجي..وسواها) وكلمة “كباب” وهو اللحم المشوي. و”الطاولة” وهي لعبة نرد معروفة في تركيا ومصر والعالم أجمع اليوم. وكلمة “الحلّة” التي تعني ” الطنجرة” في المغرب (آنية الطبخ) وفي بعض البلدان العربية الأخرى، إذ حسب تفسيرهم، وتبريرهم سُمّيت كذلك لأنّ الطعامَ يحلّ فيها، وكلمة “عشماوي” التي تعني من يقوم بتنفيذ حُكم الإعدام، وكلمة “حكمدار” وتعني حاكم الجهة أو المنطقة… ناهيك عن العديد من الكلمات الوفيرة الأخرى التي لاحصر لها.

المزيد من الكلمات التركيّة والفارسيّة

وقد وافانا قارئ كريم مشكوراً في مناسبةٍ سابقة بمجموعة من الكلمات التركيّة والفارسيّةالتي ما زالت تُستعمل الى اليوم في الدارجة المغربية وفي بعض العاميات العربية، فمن الكلمات التركية نسوق ما يلي: خوانجي، باشا، برانية، بندق، بوغاز، بوقال، طبسيل (ومعناه الصّحن في المغرب)، تسبيح، جابادور (لباس تقليدي)، خام، خردة، دربوز، دغري، دوزان، روزنامة، زربة، سبسي، سبنية، (المنديل) شاوش، شلاظة (سلاطة)، شنطة، (الحقيبة)، شيش، صريمة، الذرة، طبنجية، طابور، طازج، طاس، عربة، غيظة، فورن، فهرسة، قب، كراكيز، قشلة، قفطان، قنبولة، قهوجي، كشك، لغم، مقرج، (آنية لإعداد الشاي) يوغرت (الزبادي)، كاوري الذي يعني (الكافر أو الأجنبي الغريب ) .

ومن الكلمات الفارسية التي ما زالت مبثوثة ومُستعملة في العاميات المغربية والعربية على وجه العموم : بازار، بيدق، بقشيش، برنامج، بزّاف تفيد الكثرة، (وهي من الزفّة) (التي تقابلها في العامية التونسية كلمة ” بَرْشَا” و تنحدر هذه الكلمة المُستعملة بكثرة في تونس في الواقع من العربية الفصحى إذ جاءت في المعاجم والقواميس العربية كما يلي: “أرض برشاء أيّ كثيرة العُشب”، بزطام (بمعنى المحفظة)، بلار، بنفسج، بستان، بهلوان، تذكرة، توت، جنباز، خيار، درويش، دفتر، نرجيلة، زردة، (الوليمة الكبرى)، قال أحدُ الشعراء واصفاً طفيلياً أكولاً: “أتانا طفيليّ كأنّ يمينه/على الأكل برقُ للموائد تخطف/تُحاكي عصا موسى إذا هي أقبلت/فإنْ هي إلاّ حيّة تتلقّف/فلو كان في شرقٍ أو في غربٍ زردةٌ/وقد قُطعت أقدامُهُ جاء يزحفُ”!

وهناك كلمات سروال، صينية (نسبة الى بلاد الصين) شطرنج، طنجرة (الحلّة)، طاوة، طربوش، ترسانة، فانيد، (الحلوى) فستق، فنجان، كاغط، أو الكاغيذ (القرطاس)، كرافس، كفتة، كمان، كهرباء، كيس، مارستان، (وهو مشفى المرضى نفسانياً) وهناك مثل مغربي شائع يُقال في مجال الصّخب، والدأب، واللّجب، والضوضاء الشديد بدون مُبرّر وهو “المرستان بدون طيقان” ( أي مستشفى الأمراض العقلية بدون نوافذ)، ومثله “الحمّام بدون سطول”، (أيّ حمّام بدون دلاءِ)، مهرجان، نرجس، نقرة (الفضّة أو اللُّجَيْنُ)، وسواها من الكلمات العديدة الأخرى.

***

(*) د. محمد خطّابي، كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم -بوغوتا- كولومبيا.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *