سجلوا عندكم

البشارۃ الدويهيّة… قراءة في كتاب “في معبد الروح” لـ جميل ميلاد الدويهي

Views: 1273

د. جوزاف ياغي الجميل

 

في معبد الروح ولدتَ..فكان الزمان.

في جسد الروح سكنتَ..فكان الأمان.

بين روح وجسد، يطلق الأديب الدكتور جميل ميلاد الدويهي نداء الجسد، كي يشرق في روحه قمر العري الصادق. وأعني به عري الكتابة؛ لأنّ الحقيقة لا تحتاج إلى ثياب لتكون.

الجسد شهب نوراني يقول أحد المتصوفة. والروح جسد بلا ثياب يقول المتصوف الدويهي.

عندما يرتدي الإنسان عري حقيقته يعود إلى الفطرة الأولى، قبل الطرد من الجنان، قبل أن يكتشف آدم وحواء أنهما عاريان، فاختبآ خلف ورقة تين، من درب الرب.

يريدنا الله أن نعلن حقيقة لُبابنا، وننفر من بهرجات القشور.

يريدنا الدويهي الجميل أن نتجمّل بخصال أرواحنا، دون الجسد. ولكن الجسد والروح صنوان.

تخرج الروح من الجسد فتبقى تائهة، بين ضباب الأرض وأحلام السماء، حتى تعود إلى حقيقتها الأولى.

 

ينأى الجسد عن روحه فيصبح جسدا ترابيًّا تكثر فيه الأوحال والشهوات. ولكن العار ليس في الأجساد، يقول الجميل، بل في روح أغفلت قدسيّتها وتحوّلت بدورها إلى قشور، وموطن آفات.

الجسد مقتلة الجسد لأنه يحوّل الإنسان إلى حيوان.

والروح حياة الروح لأنها ترفع المرء إلى مصاف الآلهة.

ولكني أزيد على هاتين المقولتين بُعدًا موازيا، يتجلى في معادلة جديدة:

الجسد حبر الروح، والروح أجنحة الجسد. فلا تكتب الروح بقاءها والخلود ما لم تعبر حديقة الجسد، أو تغمس تاريخها الذهبي في محبرة الواقع الجريح كالشعر. ولا يمكن لطائر الجسد أن يحلق بلا أجنحة.

ما أعمق شهوة الروح! وما أرقى تسامي الجسد! وبين الشهوة المستعارة والتسامي المعتدل تنمو حقيقة الإنسان الهارب من جسده الناري، إلى روحه النورانية.

النار والنور ثنائية الحضور والغياب في الفكر الآسطوري القديم. ولعل بروميثيوس لم يخطئ حين سرق النار وأهداها للإنسان فامتلك النور الكلي، وكاد يضارع الآلهة.

شهوة النار تحرق هشيم فضول الإنسان وجشعه ونهمه إلى الامتلاك.

عناق النور يُخرج الإنسان من كهف ظلاله إلى سماء حقيقته المرصعة بنجوم الغيرية، وألماس المحبة.

والمحبة لا تأخذ بل تعطي. وإن أعطت تمنح  ذاتها بلا حساب.

الجسد بيع وتجارة. والروح أخذ وعطاء. وكما يقول ناسك الشخروب: موت الإنسان في البيع والشراء، وحياته في الأخذ والعطاء.

في فكر الدويهي عطاءان: عطاء الجسد وعطاء الروح.

حين يعطي الجسد من كمالياته والضروريات فإنه يطعم الفقير سمكة. أما عطاء الروح فهو يعلّم الجائع صيد السمك، ويمنحه قصبة تغنيه عن ذلّ الاستجداء.

في عطاء الجسد خوف من جوع يتجدّد. وفي عطاء الروح أمان وإيمان. وهذا ما يعيدنا إلى أمثال الإنجيل: ”  ومَنْ أخَذَ رِداءَكَ، فلا تَمْنَعْ عَنهُ ثَوبَكَ …ومن طلب منك شيئا فأعطه، ومن أخذ ما هو لك فلا تطالبه به.”( لوقا:  29، 30 ).

بين قلق الجوع والجسد وأمان الروح شعار حياة تكاد تكون مثالية ولكنها ليست مستحيلة. إن عمل بها الإنسان انتهت الحروب والخلافات، على مستوى الأفراد والجماعات والأمم. إنها مدينة الدويهي الفاضلة، حيث السلام. ولا يتحقق السلام إلا بالوفاق والمصالحة والتكامل بين جسد الإنسان وروحه. حينذاك يصبح الإنسان إلهًا، بعد أن  يُشبع جوعه من شجرة المعرفة، ويُروى الغليل من نهر المحبة الذي لا ينضب.

جميل ميلاد الدويهي، فلسفتك إيمان مطلق بأن لا حياة لأنا الإنسان ولا سرمدية لها خارج الآخر، كي تكتمل دائرة الخلود. إنها فلسفة المحبة/العطاء التي توّجها السيد المسيح بالفداء. وهذا هو عمق فرحك/سعادتنا بالبشارة الجديدة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *