سجلوا عندكم

الفلسفة المعادلاتية وتحليل الأدب

Views: 581

حسن عجمي

 

  الأدب عقلنة المعلومات ولا عقلنتها في آن. من هذا المنطلق، تعتبر الفلسفة المعادلاتية أنَّ الأدب معادلة رياضية مفادها التالي:  الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنتها. من فضائل هذه المعادلة نجاحها في التعبير عن الأنواع الأدبية المختلفة.

  بما أنَّ الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنة المعلومات، والواقع يتكوّن من معلومات، إذن من المتوقع أن يُعقلِن الأدب معلومات الواقع ما يحتِّم وجود الأدب الواقعي المُعبِّر عن الواقع وما يحتوي من معلومات. هكذا تنجح معادلة الأدب في التعبير عن الأدب الواقعي. وبما أنَّ الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنتها، والأكوان الممكنة أي الممكنات تتكوّن من معلومات ممكنة ينتجها أو يتصوّرها الخيال لأنها غير واقعية لكونها مجرّد ممكنات، إذن من المتوقع أيضاً وجود أدب خيالي يصوّر فيُعقلِن الممكنات وما تتضمن من معلومات. من هنا، تنجح معادلة الأدب في التعبير عن الأدب الخيالي.

  إن كان الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنتها، وعلماً بأنه عندما لا نُعقلِن المعلومات تولد المعلومات اللاعقلانية فينشأ العبث المتمثل في لا عقلانية المعلومات، إذن من الطبيعي أيضاً أن يوجد الأدب العبثي الكامن في لا عقلنة المعلومات. هكذا تنجح معادلة الأدب في التعبير عن الأدب العبثي. كل هذا يرينا نجاح معادلة الأدب في التعبير عن الأنواع الأدبية المختلفة كالآداب الواقعية والخيالية والعبثية ما يشير بقوة إلى مصداقية معادلة الأدب وصدقها.

  كما تُعبِّر معادلة الأدب عن الآداب الفلسفية والعلمية والدينية. فبما أنَّ الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنتها، ومن الممكن عقلنة المعلومات من خلال الاعتماد على النظريات الفلسفية أو العلمية أو المضامين الدينية، إذن من المتوقع نشوء أدب فلسفي (أي أدب معتمد على الفلسفة) وأدب علمي (أي أدب معتمد على العِلم) وأدب ديني (أي أدب معتمد على الدين). هكذا تنجح معادلة الأدب في التعبير عن الأدب الفلسفي والعلمي والديني ما يمكّنها من اكتساب هذه الفضيلة التعبيرية فيدعم صدقها. ومن الممكن عقلنة المعلومات من خلال الرموز الحاوية على معلومات تتعقلها العقول وبذلك ينشأ الأدب الرمزي من جراء أنَّ الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنتها. من هنا أيضاً، تنجح معادلة الأدب في التعبير عن الأدب الرمزي ما يعزِّز مقبولية هذه المعادلة.

 

مضامين العقل والمشاعر

  الأدب تعابير عن مضامين العقل والمشاعر. فبما أنَّ الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنتها، وعلماً بأنه إما أن نُعقلِن المعلومات من خلال العقل ومبادىء التفكير السليم وإما أن نُعقلِن المعلومات من خلال كيفية شعورنا حيالها (فإن شعرنا بالاستحسان تجاه المعلومات عقلناها على أنها مقبولة وإن شعرنا بالسوء تجاه المعلومات عقلناها بمعنى تفهمناها في هذا السياق على أنها مرفوضة)، إذن من الطبيعي أن يكون الأدب تعبيراً عن العقل والمشاعر في آن. هكذا تنجح معادلة الأدب في التعبير عن أنَّ الأدب تعبير عن العقل والمشاعر معاً. وبذلك تكتسب معادلة الأدب هذه الفضيلة المعرفية ما يشير إلى مقبوليتها.

  بالإضافة إلى ذلك، إن كان الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنتها، وسبيل عقلنة المعلومات كامن في تفسير المعلومات وتأويلها على ضوء الاستنتاج والدراسة، إذن يستلزم الأدب التفسير والتأويل على أساس الاستنتاج والدراسة. من هنا، تنجح معادلة الأدب في تفسير لماذا الأدب يستلزم التفسير والتأويل ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الأخرى. فإن لم يكن الأدب عقلنة المعلومات ولا عقلنتها في آن لغابت العقلانية واللاعقلانية في الآداب فاستحالت عقلنة الأدب من خلال التفسير والتأويل على ضوء عناصره العقلانية واستحال استدعاء عقلنة العناصر اللاعقلانية في الآداب.

  يستلزم الأدب لا عقلنة المعلومات تماماً كما يستلزم عقلنتها. فمن خلال عقلنة المعلومات يتمكّن الأدب من التواصل مع قارئه بفضل إرسال معلومات مُعقلَنة. ومن جراء لا عقلنة المعلومات يسمح الأدب باستمرارية التفكير والإنتاج الفكري من خلال استلزامه لعقلنة المعلومات غير المُعقلَنة. فإن كانت كل تفاصيل العمل الأدبي عقلانية لتوقفت حينها إمكانية تفسيرها أو تأويلها ما يؤدي إلى اغتيال إمكانية التفكير. وإن كانت كل تفاصيل العمل الأدبي لا عقلانية لاستحال فهمها فاستحال التواصل بين الأدب وقارئه وبذلك لاستحالت الآداب. لذلك يستلزم الأدب لا عقلنة المعلومات وعقلنتها في آن.

 

الأدب مصدر للمعرفة

  تنجح معادلة الأدب أيضاً في التعبير عن أنَّ الأدب مصدر للمعرفة. فعلماً بأنَّ الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنتها، وعقلنة المعلومات تستدعي بناءها على أسس المنطق ومبادىء التفكير السليم ما يؤدي إلى إنتاج المعرفة، إذن من الطبيعي أن يكون الأدب مصدراً للمعارف كمعرفة الواقع أو معرفة المرغوب فيه أو المُتخيَّل المُعبَّر عنه في الآداب. لا أدب بلا معرفة ولا معرفة بلا آداب لأنَّ الأدب عقلنة المعلومات كما هو لا عقلنتها التي تستدعي الدهشة المعرفية والمشاعرية وتحتِّم استمرارية عقلنة المعلومات اللاعقلانية.

  يتطوّر الأدب أو يتخلّف بتطوّر أو تخلّف مناهج العقلنة وبتطوّر أو تخلّف الخيال المناقض للواقع وممكناته العقلانية لأنَّ الأدب عقلنة المعلومات ولا عقلنتها معاً. فبما أنَّ الأدب = عقلنة المعلومات × لا عقلنتها، إذن من المتوقع أن يتطوّر الأدب أو يتخلّف بتطوّر أو تخلّف مناهج عقلنة المعلومات وبتطوّر أو تخلّف الخيال ولا عقلانياته. هكذا تنجح معادلة الأدب أيضاً في تفسير لماذا تتطوّر الآداب أو تتخلّف ولماذا تعتمد الآداب على العقل والخيال معاً. وهذه النجاحات التفسيرية والتعبيرية تدلّ على صدق معادلة الأدب وتفوّقها.

  تتعدّد الأمثلة على أنَّ الأدب عقلنة المعلومات ولا عقلنتها في آن. مثل ذلك النص التالي لإبن عربي: “لقد صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورة/فمرعىً لغزلان ٍ ودَيرٌ لرهبان ِ/وبيتٌ لأوثان ٍ وكعبةُ طائف ٍ/وألواحُ توراة ٍ ومصحفُ قرآن ِ/أدينُ بدين ِ الحُبِّ أنّى توجّهت/ركائبُهُ، فالحُبُّ ديني وإيماني”. من اللاعقلاني أن يصبح القلب قابلاً كل صورة لأنَّ الصُوَر متناقضة كتناقض صُوَر أي مضامين المسيحية والوثنية والإسلام واليهودية. لكن، من جهة أخرى، إن كان ديني هو الحُبّ فلا بدَّ من أن أقبل كل الأديان وإن تعارضت ما يُعقلِن قبول القلب لصُوَر أي مضامين الوثنية واليهودية والمسيحية والإسلام في آن. كما من مقاصد هذا النص الشِعري لإبن عربي التعبير عن وحدة الأديان. فإن كانت كل الأديان واحدة في الباطن أي الجوهر وإن اختلفت في الظاهر فحينئذٍ من العقلاني قبول كل الأديان رغم اختلافها لأنه اختلاف في الظاهر وليس في الباطن. ويبقى الاختلاف بين هذه الأديان ظاهراً ومتجسِّداً في التنافس والصراع فيما بينها ما يدلّ في الظاهر على أنها تناقض بعضها البعض وبذلك، من حيثية أخرى، من غير العقلاني قبولها معاً. أما، من حيثية وحدتها الباطنية فمن العقلاني قبولها في الوقت عينه. هكذا تتضح مضامين اللاعقلانية والعقلانية معاً في هذا النص الأدبي ما يُبرِّر تحليل الأدب على أنه عقلنة المعلومات ولا عقلنتها في آن.

  مثلٌ آخر على عقلانية ولا عقلانية الأدب نص نزار قباني القائل: “أحاول منذ الطفولة/أن أتصوّر شكلَ الوطن../ أحاول منذ الطفولة رسمَ بلادٍ/تسامحني../ إن كسرتُ زجاجَ القمر../ أحاول منذ البدايات/أن لا أكون شبيهاً بأيِّ أحد../ أحاول إحراق كلّ النصوص التي أرتديها/فبعض القصائد قبرٌ/وبعض اللغات كفن…/ وواعدتُ آخر أنثى/ولكنني..جئتُ بعد مرور الزمن..”. من اللاعقلاني أن يجيء الفرد بعد مرور الزمن لأنَّ الإنسان موجود في الزمن وليس خارجه. لكن بموت الإنسان والوطن يزول الزمن لأنَّ الزمن صناعة الإنسان الذي يُكوِّن أوطاناً صالحة وبذلك تظهر عقلانية المجيء بعد مرور الزمن بسبب زوال الزمن من جراء زوال الإنسان والأوطان. هكذا يُبنَى نص قباني ويتشكّل من لا عقلنة المعلومات وعقلنتها في آن تماماً كما تؤكِّد معادلة الأدب.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *