سجلوا عندكم

لأنني أحبّ طرابلس

Views: 58

خليل الخوري

ليأذن لي القارئ أن أُعلن انحيازي إلى طرابلس. عاصمة الشمال التي كانت وتبقى العاصمة الثانية، وإن نأت المسافة بعيداً بين ما كانت عليه أحوالها وما آلت إليه أوضاعها. طرابلس أم الفقير. طرابلس مدينة العلم والعلماء. طرابلس الحديقة التي تفوح بعطر زهر الليمون. طرابلس مدينة المكتبات، تمتدّ من شارع التلّ إلى شارع مدرسة اللعازاريات، وتتفرّع داخل السوق العتيق، مروراً بسوق النحّاسين، على وقع ضرب المطارق على النحاس، فتتولّد موسيقى عفوية، رائعة على صخبها، منها انطلق الخليل بن أحمد الفراهيدي (عام  175هـ.) في بغداد، لوضع وتحديد أوزان الشعر العربي.

أنا أنحاز إلى طرابلس علناً، التي نشأنا فيها ونهلنا العلم من معاهدها الكثيرة التي كانت لا تُـحْصى، ودرجنا نتسكّع في شوارعها، خصوصاً التلّ والجمّيزات والزاهرية والسويقة والراهبات والمِيتان والمطران وعزمي والتبانة وبعل محسن ومار الياس في ثغر الميناء الباسم…

أنحاز إليها قُبلةً لأبناء الشمال، التي كانت، حتى الحرب اللعينة، مدرستنا ومكتبتنا ومنتدانا ومتجرنا وسينمانا ومطعمنا ومقهانا ومسرحنا وجمعياتنا ورابطاتنا الأدبية والثقافية والاجتماعية والإنسانية. أنحاز إليها مدينة المبيع بالكلمة والشراء بالكلمة، أما الفيصل فضمير التاجر الذي إذا أخطأ معك بقرشِ واحدٍ لمصلحتك عن غير قصد، طبعاً، استبدّ به القلق، فيظلّ يبحث عنك ليتّصل ويُعيد الحق إلى نصابه.

أنحاز إلى طرابلس التي تآخَينا فيها، عن حقٍ وحقيق، في معهد الآباء الكرمليين (الطليان) فتياناُ وشبّاناً يافعين، مسيحيين ومسلمين، فإذا بنا نؤمن، قولاً وفعلاً، بأن الدين لله والوطن للجميع. وكان رفاقنا وأترابنا المسلمون خيرَ الرفاق وزينة الأتراب، بيوتنا بيوتهم، وبيوتهم بيوتنا، وأن فريق كرة السلّة في المعهد، الذي ارتقى منه خمسة لاعبين إلى المنتخب الوطني، كان يُعرف باللاعبين الكبار وليس بطوني ومحمد وجورج ومصطفى. وإذا بالرهبان، الآباء، جان وفرنسوا وأدريان ودينيس وكارميللو وليو وفينانسيو وهيكتور وجوزيف… مجال احترام وتقدير الأهل جميعاً لأنّهم رسّخوا فينا المحبّة الأخوية والإنسانية والوطنية الصافية.

أنحاز إلى طرابلس والمعهد الكرملي فيها الذي كان ختام عامه الدراسي مهرجاناً رياضياً ثقافياً لافتاً، وكنت أتولّى تقديمه طوال ثلاث سنوات دراستي الثانوية، وأستهلُّه، بعد النشيدَين الوطني والكرملي، مُرحّباً براعي الحفل الرئيس الشهيد المغفور له رشيد كرامي، الذي تكون كلمته مدوّيةً وعناوين عريضة تتصدّر الصفحات الأولى، سيّان أكان رئيساً للحكومة، أو رئيساً للمعارضة (…).

وبعد، كم يؤلمني ما يُصيب طرابلس، هذه الساحة الوطنية الشامخة، من خروقاتٍ وانتكاسات.

(https://www.musicapopular.cl/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *