الامبراطورية
خليل الخوري
أذكر من سبعينات القرن العشرين الماضي، في ما أذكر، انني أقمت في بريطانيا وتحديدا في العاصمة لندن. وكالعادة التي درجت عليها، رحت اجري الأبحاث عن هذا البلد العظيم الذي فيه أقيم، ويشغلني كما كان يثير اهتمام اللبنانيين جميعهم ذلك المثل الشهير جدا في حينه بالرغم من مرور زمن طويل عليه، وهو: «الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس…»
ذات يوم اتصل بي الوالد المرحوم الشيخ يوسف وتداولنا حديثا متشعبا. وكان رحمه الله رجل فكر وأدب على ثقافة شاملة. الى أن سألني: وماذا عن الأمبراطورية والشمس التي لا تغيب؟ واذكر انني اجبته قائلا: من خلال ابحاثي ومشاهداتي تبينت لي المعادلة الآتية، كلما اتسعت رقعة الدماثة والتهذيب في المواطن البريطاني، تقلصت رقعة (خريطة) الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
وتلك هي سنة الحياة. ومن حسن طالع اللبنانيين، تحديدا في هذه الأزمة الضارية، ان امبراطوريتهم الممتدة الى مختلف انحاء العالم لا تغيب شمسها قولا وفعلا. وهي متواجدة في الزوايا الأربع من المعمورة.
وها هم ابناؤها يتدفقون على الوطن الام لبنان، حاملين ومحملين، من الدولار الى جرعة الدواء، وما بينهما.
والسؤال الذي يطرح ذاته، وبإلحاح شديد: كيف كان في مقدور اللبنانيين ان يقطعوا هذه المرحلة المروعة لولا إسهام أهلنا في الاغتراب والانتشار؟
الموضوع يستحق المزيد من المتابعة (…) مع مفارقة لافتة وهي ان الامبرطورية اللبنانية في دنيا الانتشار بناها ابناؤنا بالمحبة والجهد والنضال والمشاق والتعب والسهر والدموع… لم يغزوا العالم بالسيف والمدفع والدبابة انما بالانسانية والمحبة والكرامة.
لقد حصرنا كلامنا في هذه النقطة بالذات لما لها من علاقة مباشرة بالأزمة الاقتصادية التي يجتازها اللبنانيون في هذه المرحلة القاسية في الوطن الام.
ولو شئنا، او لو يتسع المقام لتناولنا بالتفصيل الأوجه الثقافية والديبلوماسية والسياسية، وقد تعاقب على رئاسة الجمهوريات في القرن العشرين الماضي أكثر من ثلاثين رئيسا لبنانيا ومتحدرا من اصل لبناني، خصوصا في الاميركيتين الجنوبية واللاتينية.
واما في مجال الاقتصاد والمال والأعمال فكان المغترب الى المكسيك ابن زغرتا، المرحوم قبلان المكاري، أحد أكثر أغنياء العالم ثراء. وفي البلد ذاته استمر كارلوس منعم مترئسا لائحة الرجل الأكثر ثراء بفضل الاتصالات.
وماذا عن عباقرة الادب والشعر والفلسفة والطب والهندسة إلخ…
هذه امبراطورية يفاخر بها اللبناني العالم قاطبة.