ازدحام

Views: 786

د. جان توما

 

عاد ازدحام الوجوه، ولملمت الطاولات العائدين بعد شتات. لكن ما بال ملامح الوجوه لم تعد واضحة؟. لقد زادها التشويش غربة، ولو التقت بعد غياب. أنعود بعد افتراق إلى جمع الصورة الحقيقيّة لوجوه افتقدناها، ومُنِعْنَا طويلًا من رؤيتها؟

يطوف الناس حيارى، لا يلقون اطمئنانا ولا سلاما. لأول مرّة ترى الطرق تقود البشر على غير وجهة، يسكنهم الضياع ولا يلقون سورًا يستندون إليه ليرتاحوا من عثار الطريق، ولا يقعون على عين ماء تقيهم حرّ الدرب. مُتْعَبون، زاغت عيونهم وتشتت انتباههم. يطوفون دون توقّف. تروح أفئدتهم صوب أولادهم. يرونهم في غمرة لهوهم حزانى، كأنّ غدهم يكرج أمامهم في حذر.

كيف صار العالم مقهى بطاولة ومقاعد منفردة؟. كان الصخب هنا، فماذا جرى؟ كيف تمدّدت الابتسامات وصارت تثاؤبًا وصدى؟ من رفع ستارة المسرح ولم يسدلها؟ من ترك الناس على الخشبة بين مشهد وآخر؟ ينتظر الممثلون الملقَّنَ ليسعفهم بالنصّ وقد كانوا يرتجلون نطقًا وحضورًا، ويبدعون.

غدًا يعود الحكواتي إلى مقهى العالم. غدًا ترتسم ملامح الوجوه. غدًا ستسقط خشبة المسرح، وأقنعة التمثيل، ويخرج الناس إلى النور.

***

(*) اللوحة للفنان حبيب ياغي

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *