ستالِين وما فَعَل!
مُورِيس وَدِيع النَجَّار
في مَقالَةٍ لِلكاتِبِ الصِّحافِيِّ حَبِيب شلُوق، بِعُنوان «صَفَحاتٌ مَطوِيَّةٌ مِنَ الأَمسِ القَرِيبِ والبَعِيد… مِيشال أَبُو جَودَة ورِضَى الله ِعليه ورِضَى “أُمّ داوُد”»، وَرَدَت في مُدَوَّنَةِ «aleph-lam»، بِتارِيخِ 4/11/2021)، جاءَ الآتِي:
«ميشال أبو جودة الذي تحدث مرة عن الوفاء وأورد في أحد مقالاته قولاً للزعيم السوفياتي جوزف ستالين عندما برّر إعدامه الضباط القريبين منه بعد نجاح الثورة السوفياتية بقوله “الوفاء مرض يصيب الكلاب”، وكـَم كثـُر هذا المرض في عصرنا… ».
تَمَعَّنتُ في هذا القَولِ المَنسُوبِ إِلى الزَّعِيمِ السُّوفياتِيِّ، فَالتَبَسَ عَلَيَّ فَهْمًا، لِما يَحمِلُ مِن مُتَبايِناتٍ وتَناقُضات.

فَإِذا كانَ ستالِين يُرِيدُ «تَبرِيرَ إِعدامِهِ الضُّبَّاطَ القَرِيبِينَ مِنه» وَجَبَ عَلَيهِ إِيرادُ قَولٍ في مَصلَحَةِ عَمَلِهِ، وهو لَم يَفعَل كَما يَظهَر. فَمِنَ القَولِ المَذكُورِ يَنضَحُ الآتِي:
يَقُولُ ستالِين: «الوَفاءُ مَرَضٌ يُصِيبُ الكِلاب». ويَنتُجُ مِن هذا أَنَّهُ ما مِن آدَمِيٍّ وَفِيًّا، وإِلَّا فَيُصبِحُ قَولُهُ بِمَعنَى: «الوَفاءُ مَرَضٌ يُصِيبُ الكِلابَ ويُصِيبُ الآدَمِيِّين»، وعِندَها يَبدُو طَرْحُهُ المَذكُورُ ضَعِيفًا باهِتًا «لا حارًّا ولا بارِدًا»، وغَيرَ مُؤَاتٍ لِتَبرِير فَعْلَتِه. ويَقِينًا هو يُرِيدُ أَن يَنسُبَ لِنَفسِهِ الوَفاء.
أَمَّا إِذا أَرادَ بِقَولِه: «الوَفاءُ يُصِيبُ الكِلابَ، وأَنا لَستُ مِنهُم»، يَكُونُ قد اعتَرَفَ بِعَدَمِ وفائِهِ، أَي أَقَرَّ بِجَرِيمَتِهِ، وعِندَها لا يَصِحُّ القَولُ «بَرَّرَ إِعدامَهُ الضُّبَّاط».
ولا رَيْبَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَن يَسِمَ نَفسَهُ بِالوَفاء. فَهَل يُقِرُّ بِسَوْقِهِ فِي رَكْبِ الكِلاب؟!
ولا نَظُنُّهُ يَفعَلُ ِإذ لَم يُعهَدْ بِهِ – على طُغيانِهِ – غَباء…
كما لا نَتَصَوَّرُهُ يَقصِدُ بِــ «الكِلاب» رِفاقَهُ المَغدُورِينَ، وبِأَنَّهُم أُصِيبُوا بِمَرَضِ الوَفاءِ، لِأَنَّهُ بِهذا يَكُونُ قَد اعتَرَفَ بِوَفائِهِم وأَدانَ، بِنَفسِهِ، جَرِيمَتَهُ، وعِندَها يَبطُلُ الــ «التَّبرِير» المَأمُول.

ويَزِيدُ الطِّينَ بِلَّةً قَولُ الصِّحافِيِّ مِيشال أَبُو جَودَة، مُتَحَدِّثًا عن الوَفاء: «… وكَـَم كَثُـرَ هذا المَرَضُ في عَصْرِنا…»، وهو يَعنِي «كَثْرَةُ الكِلاب».
فَبِالإِطارِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ فَقِيدُنا أَبُو جَودَة تَرِدُ «كَثْرَةُ الكِلابِ» مُفضِيَةً إِلى «كَثْرَةِ الوَفاءِ»، وهذا ما لَيسَ في مَرْمَى الصِّحافِيِّ المَشهُور.
وفي الخُلاصَةِ أَرَى أَنَّهُ «اختَلَطَ الحابِلُ بِالنَّابِلِ»، وصَحَّ المَثَلانِ المِصرِيَّانِ «سَمَك، لَبَن، تَمْر هِندِيّ»، وَ «كُلُّو هَرْدَبِيْصَه يا بُوعِيْسَى»!
أللَّهُمَّ إِنِّي قَرَأتُ ورَأَيتُ، فَإِنْ أَكُنْ أَصَبْتُ فَلِي «أَجْرانِ»، وإِلَّا فَحَسبِيَ «أَجْرٌ واحِدٌ»*، وأَتَعَزَّى بِقَولِ شَاعِرِ النِّيلِ حَافِظ ابرَاهِيم:
لا تَلُمْ كَفِّي إِذا السَّيفُ نَبا صَحَّ مِنِّي العَزمُ والدَّهرُ أَبَى
رُبَّ سَاعٍ مُبْصِرٍ فِي سَعيِهِ أَخطَأَ التَّوفِيقَ فِيمَا طَلَبَا.
«وَكَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتالَ»!
***
(1): «مَن أَفتَى فَأَصابَ فَلَهُ أَجرانِ، وَمَن أَفتَى فَأَخطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ واحِد» (قَولٌ مَعرُوفٌ في التُّراثِ الإِسلامِيّ)
(2): ﴿وَرَدَّ اللهُ الَّذينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ لَم يَنالُوا خَيرًا وَكَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾
(القُرآن الكَرِيم، سُورَةُ الأَحزاب، الآية 25)