سجلوا عندكم

الاستقلال رجال وقرار

Views: 1199

خليل الخوري 

 

يحل عيد الاستقلال بعد غد الاثنين واللبنانيون في حال من الإحباط، واليأس والضياع، وفقدان مقوّمات الدولة كلها (…) لدرجة أننا صرنا مضرب مثل في العالم كلِّهِ عن مثالٍ لا يُحتذى لوطنٍ كان زينة البلدان فبات عنواناً للفشل والتردّي والتخاذل والفساد في مناحي الحياة قاطبةً، وليس فقط في التجاوزات المالية والأخلاقية (…).

وعشية هذا العيد المجيد نسأل، بل نتساءل في داخل ذاتنا: أين كنا وأين صرنا؟

من أي شيطانٍ رجيم أخذنا الجرأة لتدمير وطننا وإفقاره وهو الذي كان زينة البلدان؟.

وبقدرة أي شرّير أسقطنا شعبنا عن عرش الهناء ورغد العيش، فحوّلناه إلى موائد اللئام، يستجدي لقمة من هنا، ولحسة من هناك؟.

وكيف تفوّقنا، ببراعة موصوفة، في امتهان كرامة البلاد والعباد حتّى لصار يصح فينا أننا أنموذج للتفوق في القهقرة، والتراجع، والتخلّف…

ذلك الثاني والعشرون الأغرّ، من شهر تشرين الثاني من العام 1943 لم ينزل في قفة من السماء، ولا هو كان وليد مصادفة تاريخية، إنما جاء الحدث العظيم فيه محصّلة طبيعية لقرار اتخذته القيادة الشرعية، منبثقاً من فكر رؤيوي، ومن إرادة وطنية جامعة غلّابة… ودائماً من نضالٍ أعظم وأروع ما فيه أنه عبّر بامتياز عن إجماع وطني نادر. وعليه إذا كان صحيحاً أن اللحظة كانت ملائمة فالصحيح أن الفضل يعود إلى الذين عرفوا كيف يستغلونها، أو كيف «يقطفونها» وذلك هو فضلهم.

الاستقلال لا يتوقف في الزمان… بل هو مثل النبتة الجميلة التي إذا لم تروِها كل يوم، فهي مرشّحة للذبول. والجماعة السياسية، عندنا، لم تكتفِ بأنها لم تَسْقِ شجرة الاستقلال، بل هي تمادت في الإساءة إليها والاعتداء عليها، فأمعنت فيها إضراراً إلى ما لا حدود له.

إن الكلام على الاستقلال والسيادة والحرية ليس، عندنا، أو لم يعد عندنا أكثر من ترهّات وأكاذيب، تتغرغر بها الشفاه، وترددها الألسن من دون أي معنى.

إن الاستقلال قرار يتخذه الرجال ويرعاه الرجال ويصونه الرجال ويفتديه الرجال… انه فعل إرادة دعامته الأولى عدم الذيلية، وقاعدته الأبهى: الندّية مع الخارج وليس التبعية له. فليراجع كلٌّ منكم نفسه على هاتين القاعدة والدعامة… وعندئذٍ يُعرف مَن هو الاستقلالي الحقيقي ومَن هو المنافق، كما يُعرَفُ لماذا سقط الاستقلال.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *