سجلوا عندكم

ولن يعود

Views: 312

خليل الخوري 

هذا المسخ الذي أوصلونا إليه، أو أوصلوه إلينا، ليس فيه من لبنان إلّا الاسم! فلقد رحل ذلك الوطن الجميل إلى حيث لا رجوع…

لقد سرقوا أحلامَنا، وأمانينا، ورغد عيشنا وهناءَنا، وطمأنينتنا، وريادَتنا على دول المنطقة كلّها، ودورنا في الإقليم والعالم، ورسالتنا التي عرفَتها وأقرّت بها المعمورةُ برمّتها وكرّسها البابا الراحل القديس يوحنا بولس الثاني، وسرقوا تقدُّمَنا ودورنا المتفوق (في التعلم والتعليم، في النشر والقراءة، في الصحافة والإعلام عموماً، في اللغات، في السياحة …)، وسرقوا جنى أعمارنا، وإذا بهم، في النتيجة، يسرقون لبنانَنا الذي أحببناه وعشقناه حتى العبادة، ولم يتركوا من مقوّماته شيئاً، فأكلوا الأخضر واليابس، وكأنهم في جوعٍ مزمن لا يسده أي تجاوز مهما بلغ، وأي ارتكاب مهما عَظُمَ…

إنهم برابرة الزمن الرديء، الذين لا يعرفون القيَم، ولا يعترفون بالجمال، ولا يفقهون فلسفةَ وطنٍ كان فريداً بين الأوطان، فأنزلوه عن عرشٍ كان يليق به ليحوّلوه الى تابع تافه، وليُمعنوا في شعبه قهراً وتجويعاً وإفقاراً وإذلالاً…

وها هم يصمّمون على نهش ما تبقى (إذا كان قد تبقّى شيءٌ)، فلا يتوقفون عن الصراعات المفتَعَلة في معظمها، ويبحثون، بالفتيلة والسراج، عن أي بارقة أمل ليطفئوها، وعن أي باب فَرَجٍ ليقفلوه، وعن أي بسمة ليستبدلوها بسحناتهم المخزية…

والأكثر إيلاماً أن عرّابيهم وموجهيهم ومعلميهم (كلهم) في الخارج، صغارهم ومتوسطيهم وكبارهم، الإقليميين منهم والأقربين والأبعدين، يصفقون لهم ويدعمونهم، بل ويحرّضونهم على المزيد من الإساءة الى هذا الوطن. ونرى، في هؤلاء «الغيارى» المزعومين، مَن يُتحفُنا بالمحاضرات في الدعوة إلى استئصال الفساد وزجر الفاسدين أما هو فيرعاهم… ونرى مَن يعطينا دروساً في السيادة الوطنية وهو يُسهم في خرقها أو يغض الطَرْفَ عمّن يخرقها إلخ…

وهذه التراكمات أدّت إلى رحيل وطنٍ يؤلمنا القول إنه رحل ولن يعود.

وسقى الله زمن الكبار.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *