من أزمة الصواريخ في كوبا 1962إلى أزمة أوكرانيا 2022… هل يكرّر التاريخ نفسه؟

Views: 707

معوض رياض الحجل

يحتفل العالم بعد أشهر قليلة بمرور ستين عاماً على اندلاع أزمة الصواريخ النووية في كوبا بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي في العام 1962. اليوم، وفي ظل الصراع العسكري بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا المدعومة بدورها من الدول الغربية وابرزها الولايات المتحدة، يعود التاريخ ليسجل من جديد امكانية اندلاع ازمة عالمية جديدة شبيهة لتلك التي حصلت العام 1962 خاصة بعد تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام قليلة الاستعداد لنشر الدرع النووي لمواجهة الاعتداءات المحتملة على اراضي الاتحاد الروسي من قبل الدول الغربية.

ما الذي حصل بالتحديد منذ ستين عاماً وكيف أنتهت الأزمة. وهل تشهد الأزمة العالمية الحالية نفس مصير تلك الأزمة أي التراجع عن نشر الدرع النووي من قبل روسيا أم سنشهد سيناريو مختلف اكثر حدة قد يصل إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة؟ واليكم الحكاية…

ما أن سيطر فيدل كاسترو بمعاونة الثوار، ومنهم أرنستو غيفارا، على مقاليد الحكم في كوبا في كانون الثاني من 1959، حتى بدأت الادارة الأميركية تسعى بكل قواها لقلب نظام حكمهِ، إذ فرضت الحظر على التصدير إلى كوبا بجميع أشكالهِ. ردت كوبا من جهتها على هذه العقوبات الاقتصادية بإتفاق عقدتهُ مع الاتحاد السوفياتي يتضمن شراء السكر والفاكهة، وتقديم المُساعدات المالية، وقيام الاتحاد السوفياتي بتجهيز الحكومة الكوبية بمختلف أنواع الاسلحة لتعزيز دفاعاتها وصمودها ضد هجمات الغزاة المُحتملة.

 

التقارب السوفياتي الكوبي عام 1960 رفعَ من نسبة العداء بين الادارة الاميركية وكوبا. والسبب الجوهري توقيع الجانبين على عدد من الاتفاقيات في مختلف المجالات بما في ذلك الجانب العسكري بهدف الصمود بوجه كافة المحاولات الاميركية لاجهاض عملية التغيير الثوري في كوبا.

تصعيد سلبي

شهدت بداية العام 1961 تصعيداً سلبياً من خلال قطع الولايات المتحدة الاميركية لعلاقاتها الدبلوماسية مع الحكومةالكوبية، وفي الخامس من نيسان من العام نفسهِ وافق الرئيس الاميركي الراحل جون كيندي على خطة وكالة الاستخبارات الاميركية لاجراء عملية عسكرية خاطفة في كوبا للاطاحة بكاسترو والثوار، إلّا أن موافقة الرئيس كيندي على الخطة العسكرية كانت مشروطة بعدم اشراك القوات العسكرية الاميركية بشكل مباشر في عملية الانزال في كوبا حتى تظهر للمجتمع الدولي بأن العملية العسكرية هي حصراً تمرد داخلي من أجل الوصول الى مقاليد السلطة فضلاً عن عدم رغبتهِ بالاصطدام بالاتحاد السوفياتي حليف النظام في كوبا.

بدأت العملية في الخامس عشر من نيسان من العام 1961 بقذف للقنابل قامت به طائرات(B26) التابعة للجيش الاميركي بهدف تدمير الطائرات الكوبية في قواعدها.

 

وفي السابع عشر من نيسان من العام نفسهِ تعرضت كوبا لانزال عسكري قامت به مجموعات عسكرية كوبية مناوئة في خليج الخنازير وبغطاء جوي من الولايات المتحدة الاميركية، وفي اليوم التالي أصدرت القيادة السوفياتية بياناً مُدوياً فضحت فيه كيفيةقيام الاستخبارات الاميركية بدعم ومساندة الغزاة،

كان من نتائج عملية الغزو الفاشلة أعطاء الحجة والتبرير للقيادة الثورية الكوبية برئاسة فيدل كاسترو بالعمل لحماية نفسها وضرورة أمتلاكها قوة عسكرية مُتطورة رادعة، مما مهد الطريق لولادة أزمة دولية جديدة أخطر من الأزمة الاولى، لذلك أعتقد فيدل كاسترو، بعد فشل الهجوم الاميركي على خليج الخنازير، بأن بلاده لا زالت مُهددة بأمنها واستقرارها فسعى جاهداً للحصول على حماية سوفياتية فورية ضد الخطر الاميركي المُحدق، إذ قام بإرسال وفد رفيع المستوى الى موسكو للطلب من الادارة السوفياتية اتخاذ تدابير فورية تضع كوبا في حماية من أي عدوان أميركي مُحتمل.

خطة عسكرية سرية

بدأت القيادة السوفياتية تنفيذ خطة عسكرية سرية تتضمن نصبداخل الاراضي الكوبية قواعد لاطلاق الصواريخ مُتوسطة وبعيدة المدى تحمل رؤوساً نووية. كان الهدف من نصب الصواريخ تهديد الاميركيين والضغط على الادارة الاميركية برئاسة كيندي للتراجع في برلين وسحب صواريخهم المنصوبة في تركيا، وقد أوصل نصب القذائف الصاروخية السوفياتية سراً على أراضي كوبا الطرفين إلى حافة اندلاع حرب نووية مدمرة، ومما زاد في تعقيد المسألة هو التقارير السرية التي بعثها سفير الاتحاد السوفياتي في كوبا( اي.اي الكسيف) الى وزارة الخارجية السوفياتية ومنها تقريره بتاريخ التاسع من تموز 1962، والذي أبلغ فيه أن القوات العسكرية الاميركية المُنتشرة في قاعدة غونتنامو تقوم بضرب الدوريات الكوبية، فضلاً عن اطلاقهم القذائف على الفندق الذي يستضيف المستشارين السوفيات.

 

استمرت الاعتداءات العسكرية الاميركية في شهر آب، إذ قامت سفن أميركية بقصف الاراضي الكوبية بالمدفعية يوم الخامس والعشرين من آب 1962 وأدى القصف العشوائي الى تدمير عدد من المباني في العاصمة هافانا، وقد حذرت الادارة السوفياتية من مغبة الاعمال الاستفزازية الاميركية المُتكررة.

في السادس عشر من تشرين الاول 1962 وعلى اثر استطلاع أجري في الرابع عشر من تشرين الاول قامت به طائرة (U2)، اعلم الرئيس كيندي بالمشروع السوفياتي السري، وأثبتت الصور التي التقطتها طائرة الاستطلاع بوضوح بأن على الاراضي الكوبية قواعد لاطلاق الصواريخ في مرحلة الانشاء.

فرض الحصار على كوبا

في الثامن عشر من تشرين الاول أجتمع وزير الخارجية السوفياتي غروميكو مع الرئيس الاميركي جون كيندي لمناقشة تطورات نشر الصواريخ السوفياتية في كوبا، وقد برر غروميكو الأمر بأن حكومة الاتحاد السوفياتي لبّت نداء الحكومة الكوبية لناحية تقوية قدراتها الدفاعية.

القى الرئيس كنيدي خطاباً في الثاني والعشرين من تشرين الاول حول مسألة نصب تلك الصواريخ النووية وأعتبرها تشكل تهديداً خطيراً ومُباشراً ضد نصف سكان الكرة الارضية الغربي، وابلغ كنيدي شعبهُ بتفاصيل قرارهِ المتعلق بفرض الحصار على كوبا والذي اطلق عليه (الحجر الصحي)، وكان الاعلان الاميركي القاضي بفرض حصار اقتصادي على كوبا من أخطر وأسوأ العقوبات الاميركية ضد كوبا على الاطلاق، وأعلنت الحكومة الاميركية عزمها اجراء مناورات بحرية كبيرة في الحوض الكريبي تحت اسم (فير بيلفكس – 62) وبالمقابل اصدرت الحكومة السوفياتية بياناً حذرت فيه الادارة الاميركية من مغبة تنفيذ تهديداتها ضد كوبا.

 

وفي الثالث والعشرين من تشرين الاول أعلنت حالة استنفار قصوى في الجيش السوفياتي، ووصل الامر الى مرحلة ايقاف تسريح الجنود والبحارة المُنتهية خدمتهم وزيادة اليقظة والحذر في كل الوحدات العسكرية وكذلك السفن البحرية السوفياتية، وقد أصدر خروشوف اوامره للسفن السوفياتية بضرورة اختراق الطوق الاميركي المحاصر للاراضي الكوبية، وكتب فيدل كاسترو الى خروشوف في السادس والعشرين من تشرين الأول يطلب فيه اطلاق الصواريخ السوفياتية على اراضي الولايات المتحدة الاميركية قبل أن تغزو الجزيرة وتقلب النظام الثوري.

حبس انفاس العالم

في السابع والعشرين من تشرين الاول 1962، حبس العالم أنفاسهُ وأنتشرت الاخبار والمعلومات حول أمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة.

وفي اليوم التالي أذاع الرئيس الراحل جون كيندي خطاباً تاريخياً مهماً جداً على الراديو، هدد فيه باحتلال جزيرة كوبا اذا لم يسحب الاتحاد السوفياتي صواريخه المنشورةعلى الاراضي الكوبية. ردت القيادة السوفياتية بعد ساعات من خطاب كيندي بقبولها سحب الصواريخ وتفكيك قواعد اطلاقها اذا تعهدت الولايات المتحدة الاميركية بعدم احتلال كوبا.

أرسلت الحكومة السوفياتية في الثامن والعشرين من تشرين الاول رسالة الى الحكومة الاميركية اكدت فيها التزامها بتنفيذ وعودها فيما يتعلق بأزمة الكريبي وسحب صواريخها من الاراضي الكوبية وادلى الرئيس كيندي في اليوم نفسهِ تصريحاً أكد فيه التزامه بمناقشة حل مسألة سباق التسلح وذلك بعد انتهاء أزمة الكاريبي.

 

وقد اصدر وزير الخارجية السوفياتي غروميكو اوامره الى ممثل الاتحاد السوفياتي في الامم المتحدة ليعلم السكرتير العام للامم المتحدة (يوثانت)، بأن الاوامر قد صدرت الى الضباط السوفيات الموجودين في كوبا بإزالة المواضع التي تعتبرها الادارة الاميركية على أنها اسلحة هجومية، وان يعلم يوثانت موافقة السوفيات على قيام مُمثلين من الصليب الاحمر الدولي بتفتيش كافة السفن السوفياتية المُتجهة إلى جزيرة كوبا والتأكد من عدم حملها للاسلحة.

اقتنع الرئيس الاميركي كيندي في نهاية المطاف بحسن نوايا القيادة السوفياتية. إذ أرسل كيندي رسالة الى خروشوف يُعرب من خلالها عن أمتنانهِ لقرار الاتحاد السوفياتي بتفكيك الاسلحة السوفياتية في كوبا.

أثمرت الجهود المبذولة من الامين العام للامم المتحدة والزعيمين الاميركي والسوفياتي الى انهاء ازمة الصواريخ في كوبا وبالتالي أعلن الرئيس الاميركي جون كيندي في العشرين من تشرين الثاني رفع الحصار الاميركي المفروض على كوبا، إذ كان الخروج من الأزمة قد تحقق بفضل التعاون المثمر بين القطبين الكبيرين خروشوف وكيندي.

 

 يتضح مما تقدم أن أبرز اهداف القيادة السوفياتية في وضع الاسلحة النووية على أراضي كوبا هو الضغط على الولايات المتحدة الاميركية قدر المستطاع لاجبارها على سحب اسلحتها من تركيا وايطاليا والمانيا الغربية، لكن على الرغم من وصول هذه الأزمة الدولية إلى هذه الحالة لم يستطع السوفيات ارغام الادارة الاميركية على سحب اسلحتهم، الا أنهم ضمنوا وجود كوبا الاشتراكية في النصف الغربي من الكرة الارضية والتي ستكون لعقود من أهم حلفاء الاتحاد السوفياتي.

وبالرغم من أعتبار خروشوف بأنه حقق انجازاً سياسياً كبيراً خلال أزمة الصواريخ الكوبية، الا أنها زعزعت سمعة الاتحاد السوفياتي خاصة لجهة مدى استعداده لدعم حلفائهِ، فضلاً عن تأثير الأزمة على الادارة السوفياتية، إذ أضعفت خروشوف وساهمت بشكل كبير في تنحيتهِ من منصبهِ أواخر عام 1964 وأعتزاله العمل السياسي.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *