الحلقة الحادية عشرة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول
*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)
يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…
كابي
(١١)
مرّت السنوات على عمل حنا في المطبعة. وكان يشعر بفرح كبير وهو يرى ولده بحر ينمو ويكبر أمام عينيه.
ومع بلوغ بحر سنته الخامسة دقّت ساعة الصفر بالنسبة الى حنا وجلس يتباحث مع زوجته في اختيار المدرسة الخاصة التي سيدخلها بحر.
– ألم تقرر بعد يا حنا؟ نشكر الله أننا استطعنا أن نوفّر مبلغًا من المال. ولكن هذا لا يكفي. علينا أن نجد مدرسة خاصة تتناسب مع دخلك.
– سأبحث الأمر غدًا مع حسيب فهو على علاقة دائمة مع أساتذة تعليم في المدينة بفعل عمله في المطبعة.
– ألم تقل لي إن حسيبًا ترك المدرسة باكرًا ولم يتمّ تعليمه المدرسي؟
– أجل. لكنه اكتسب خبرة كبيرة من العمل في المطبعة وكما قلت لك فهو على صلة بعدد من أساتذة التعليم.
– سمعت أن الأقساط المدرسية مرتفعة في المدارس الخاصة التي لها شأنها في التعليم.
– عملنا على تغيير أمور كثيرة في طريقة عيشنا من أجل أن نوفّر التعليم للولد يا أمّ بحر.
في أيام العطلة كان حنا يصطحب ولده الى الشاطئ الصخري ويجلسان معًا على الصخرة العالية حيث اعتاد حنا أن يناجي البحر ويتأمل في موجه الهادئ عندما يكون البحر مستكينًا.
كان يشرح له كلّ شيء من المراكب الى الصيد ويشير له الى السفن الكبيرة المسافرة والتي كانت تبدو في الأفق.
وكان دائمًا يقول لبحر إنّ البحر مليء بالخيرات والصيادون يعتاشون من خيراته ووالدك كان واحدًا منهم.
– كُن كريمًا كالبحر يا ولدي بحر.
(يتبع السبت المقبل)
***
*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء