في التجريب الصحفي(16)
محمّد خريّف*
هذه النّكسات المتتالية سببها عقدة الظهور عندي،حيت يسوقني الطّمع والشره إلى ضروب من الطيش الصحفيّ لم أجد له تفسيرا سوى نزوة غذّاها فيّ الميل إلى الكتابة المتقطّعة في صحف السّتينات والسّبعينات وحتى الثمانينات والتسعينات ،كنت أمني نفسي بأن أكون مذيعا أو منشطا تلفزيّا مشهورا أو حتى محرّرا بجريدة’ وفعلا حاولت في البداية الالتحاق بدار الصباح بصفة محرّر في الشؤون الاقتصادية ولا أفقه شيئا في الحساب وشؤون الاقتصاد في النفقة و”من نفقته باين عشاه” ولا نقفة لي ولا عشاء، فأذكر كيف غامرت فعرّضت نفسي لامتحان عسير يجريه عليّ صحفيّ محترف هو صلاح الدين العامري، فالرجل يعدّ آنذاك من المحررين الرئيسيين في جريدة الصباح زمن كان مقرّها بنهج علي باش حانبة قرب قهوة لونيفار بتونس العاصمة، وكان موضوع الامتحان على ما أذكر -وان لم تخني الذاكرة- ترجمة نصّ من جريدة ناطقة بالانكليزية إلى اللغة العربيّة، بدا لي النص صعبا عسير الفهم، فكيف لايكون يكون صعبا ولساني يضلع في الانقليزية ؟

لكن هيهات فرغم ذلك كان “امحمّد” يتعلّط بل يتعنّت فلم يظهر تراجعا ولا تردّدا وإنما حاول الترجمة الفورية في تلك اللحظة محاولة “هادِدْ على جمل بقدومة” ، هكذا كانت معرفته بالصحفي الممتحن قديمة ولا فائدة من انتظار النتيجة ،فهاهو سي صلاح عنده كغيره من الصحفيين القلائل مرجعا له في الصباح وغيرها، يتردّد على مكتبه بين الفينة والفينة الى أن فرّج الله وفتح له باب الرزق فصار” بيجيست” يعني بالفلاقي يكتب تحقيقات سواء في البيان أوالإعلان أوحتى الصباح أو الصدى بمقابل مادّي زهيد لكنه في نظر الجريدة أجر.

هكذا يصير”امحمّد” متعاونا بالمناسبة يكتب في التربية والأدب والرياضة فصدى المحاكم ، ولعله يكتب ولم يكتب في كل شيء ولا شيء ، هو داخلها “فرنتس” حوكي وحرايري لايستنكف من المشاركة متى سنحت الفرصة في بعض برامج الإذاعة والتلفزة ولو بالحضور الشكلي، والصورة تدخل البيوت ،تدوركالاسم خذروف يدور”.

فكان حمادي الجزيري عنده قدوة مبدعا في التنشيط ولا أحد يجاريه في الفكاهة والتفكه ولا أحد يسلم من مزاحه الطريف، و فعلا تجرأ معه على ما يتجرأ عليه تلميذ مطرود من معهد ثانويّ يظل يتطاول تطاول “صحيح رقعة” فيحارب بدون سلاح ولا عتاد ثقافيّ ، فتسمعه يتحدّث في حصة إذاعية ينشطها الجزيري فتخاله “كرونيكور زمان بوعنبة” يهتم ّ بالأدب والطرب في نفس الوقت، فعن ألبير كامي وكتابه “سوء الفهم” يتحدّث، وقد يسوء فهمه للكتاب كما يسوء فهم بعض المستمعين فيه، وللناس في كيفية الفهم شؤون ؟
لكن ، نقولها للتاريخ فسي حمادي كان مع ضيفه كريما، يردّ على التحية، والتنويه بالتنويه ،والصحفي لقب يظفر به سي”امحمّد” لأول مرة يخرج من فم سي حمادي عبر الميكروفون ،والفضل يعود إلى مقال الصباح ومزاج المحررين ،و لعلّ اللقب العالي حين يكون هبة من منشط كوميديّ كبير لايشبه المنبت الخالي، وذلك جزاء للمحسنين في العاجلة والآجلة و “أحب من أحبّ وكره من كره “،ولا فرق في عالم المجاملة بين لقب الصحفي ولقب”الأستاذ” فكلاهما عملة لغوية سهلة مستساغة لاختلف عن مقولة “كلام بكلام” للجاحظ زعيم النوادر ؟ وماذا تقول عن عبد مثلي يسير في طريق التندر والتنمر فيعشق الصحافة الساخرة لتسخر منه ، وقد سبقه إليها الجزيري ، والخميسي والسملالي، ولعله يفشل كما قد يفشل الجزيري مع جمهور الصحافة الجادّة ،و عاقبة التهور لا تخلو من تخويف وترويع فطرد ينفع ويضر.
( يتبع.. )
***
* كاتب من تونس