سجلوا عندكم

الحلقة الثالثة عشرة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول

Views: 53

*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)

 

يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة  في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…

كابي

(١٣)

 

في ذلك اليوم لم يتوجّه حنا الى منزله بعد عودته من المدينة. الأمر الذي لم يكن ليحصل من قبل، فهو كان ينتظر لحظة لقائه ببحر بعد العمل بفارغ الصبر.

قصد حنا منزل الأستاذ رفيق الذي يعمل في عاصمة البلاد ويسكن فيها، لكنه كان يتردد الى القرية من وقت لآخر.

كان رفيق قد درس الحقوق لفترة ومن ثمّ غادر القرية بحثًا عن عمل في العاصمة واستقرّ فيها، والأهم بالنسبة الى حنا أن رفيقًا كان يعمل في مكتب أحد النواب في العاصمة كمدير لمكتبه.

وصل حنا الى بيت رفيق قرابة ساعة المغيب وهو يسأل نفسه عمّا إذا كان الرجل الذي يقصده موجودًا في القرية أم لا.

دخل حنا منزل رفيق وأحسّ بالفرح عندما عَلِمَ أن الرجل قد عاد لتوّه من العاصمة، وأبلغ شقيقة رفيق بأنه سينتظره في غرفة الجلوس حَتّى ولو طال اجتماعه مع الزائرين.

بعد طول انتظار استطاع حنا أن يقابل رفيقًا واستفاض في التعبير له عن غبطته بلقياه، ودخل في الموضوع مباشرة ومن دون أي تأخير.

            ⁃ ما معنى كلمة رَجعي يا أستاذ؟

فوجئ رفيق بسؤال حنا وقال: له أَمِنَ البحر الى السياسة يا حنا؟

            ⁃  وما معنى كلمة تقدّمي يا أستاذ؟

            ⁃ إجلس يا حنا يبدو أن في الأمر ما يستوجب الاستماع إليه. سمعتُ من البعض في القرية أنك تركت العمل في البحر وذهبت للعمل في المدينة. (miedemaproduce.com هل تتابحث في السياسة مع زملائك في العمل يا حنا؟

بعد أن استمع رفيق الى رواية حنا ابتسم قائلاً: في الحقيقة يا حنا الأمر لا يُختصر في تحديد معنى الكلمتين. ولكن ومن أجل تبسيط الموضوع أستطيع أن أقول لك إن هذا الجدل الصغير الذي دار بين الرجلين يعكس واقعًا سياسيًا في البلاد قد لا تُحمد عقباه. ولكن قُل لي لماذ بدأت تهتمّ بالسياسة يا حنا؟ أتحاول أن تكون في صف اليمين أم في صف اليسار؟

لم يفهم حنا سؤال الاستاذ رفيق وأخبره بأن جُلّ ما في الأمر هو اختيار مدرسة خاصة  من مدارس المدينة لولده بحر ، وبأنه كان يعوّل على استشارة الاستاذ ناصر وفقًا لنصيحة حسيب، وبأن الأمر ضاع في غياهب هذا الحوار المقتضب.

            ⁃  تعلّمْ يا حنا أن تُبعد نفسك عن السياسة أولاً وهذا هو المهم في الموضوع. أمّا بالنسبة الى اختيار المدرسة فأنا سأزوّدك بكتاب توصية مني لقبول ابنك في إحدى المدراس الخاصة في المدينة.

            ⁃  كتاب توصية؟

            ⁃ نعم يا حنا. أتعتقد أنه وبهذه السهولة تستطيع أن تُدخل ابنك الى مدرسة خاصة؟ لا تقلق تعالَ غدًا وسأزوّدك بالكتاب وسأتصل بالاستاذ محسِن ناظر المدرسة فهو صديقي.

            ⁃هل هذه المدرسة تتبع لإرسالية أجنبية؟

            ⁃   يا حنا… يا حنا… تفاجئني أكثر فأكثر… نعم يا حنا في الأساس هي تتبع لعائلة رهبانية أجنبية… لا تقلق. ولكن قُل لي ما هو اسم ابنِكَ؟

            ⁃ بحر.

            ⁃ إسمٌ جميل. تعال غدًا لتخبرني قصة هذا الاسم ولتستلم الكتاب.

(يتبع السبت المقبل)

***

*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *