الحلقة الرابعة عشرة عشرة من رواية “بَحر” لـ كابي دعبول
*”للصخور أسماء في الضيعة التي أبصرت فيها النور” (أمين معلوف-كتاب “صخرة طانيوس”)
يجلس حنا على صخرته المرتفعة فوق مياه البحر. يتأمّل الشاطئ الصخري وتراكض الأمواج باتجاه الشاطئ. يفرح، يحزن، يبتسم، يبكي، ناظرًا الى الأفق البعيد، يشكو همومه الى البحر، طالبًا منه الإتيان بأمل جديد يطفو على أمواجه المتراكضة نحوه. حتى بات لحنا مع صخرته عشرة وطول رفقة أمّنت له ملاذًا آمنًا لمراجعة الذات والتأمّل. إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء، غير أن صخرة حنا تبقى الاستعارة الحقيقية الوحيدة الراسخة في هذه الرواية، إذ كم من أمكنة تركنا فيها شيئًا من ذاتنا، مهما ابتعدنا عنها تبقى الملاذ الوحيد لذكرياتنا بحلوها ومرّها…
كابي
(١٤)
غادر حنا منزل الاستاذ رفيق متوجّهًا الى داره، وكان يشعر بأن الحلم الذي غيّر من أجله مسرى حياته يكاد أن يصبح حقيقة.
في تلك الليلة أحسّ حنا بشعور جديد لم يشعر به من قبل وهو يقرأ كتاب التاريخ الذي ينكبّ على مطالعته كلّ ليلة. أحسّ بأن العلاقة مع الكتاب بات لها منحى آخر بعد الاستماع الى حكاية منع كتاب من البيع. لم يستطع حنا أن يفهمَ لماذا يُمنع كتاب ويُستأصل من المكتبة. فشدّ كتابه الى صدره ونام.
في الصباح ذهب حنا الى مكتب مختار القرية واتصل بحسيب وأخبره عبر الهاتف بدواعي تأخرّه عن العمل، وبموعده مع الاستاذ رفيق. فأبلغه حسيب أنه بإمكانه التغيّب عن العمل في ذلك اليوم طالبًا منه الإصرار على رفيق في تفسير معنى الكلمتين متحاشيًا ذكرهما عبر أثير الهاتف.
في منزل الاستاذ رفيق كانت جلسة قهوة الصباح سياسية بامتياز. وراح حنا يستمع الى أحاديث رفيق وزائريه الذين كانوا يتناقشون في أخبار البلاد السياسية لكنه لم يستطع أن يجمع بين هذه الأخبار وبين الكلمتين اللتين تشكلان اللغز بالنسبة إليه.
لم يشأ حنا أن يقاطع الاستاذ رفيق وزائريه واكتفى بالاستماع إليهم لكنه أيقن أن الحوار كان يسخن بعض الشيء بين المتحادثين. وما أن لاحظ الاستاذ رفيق وجود حنا حتى قال له تعالَ يا حنا وادخل معي غرفة المكتب، فهذا الحديث الذي تسمعه عقيم وبلا فائدة لأن كل طرف فيه يتمسّك بوجهة نظره من دون تفهّم وجهة النظر المقابلة. هذه هي السياسة خصام في الرأي وخصام في الموقف، ساعدنا الله يا حنا.
أنهى الاستاذ رفيق كتابة الرسالة واتصل بالاستاذ محسن ودبّر لِحنا موعدًا معه.
– “ما تنسى تاخذ الصَبي معك يا حنا”. وفي المرة المقبلة تُخبرني عن سر هذا الاسم الذي اخترته لولدك.
– شكرا استاذ.
– ولِمَ الدموع يا حنا؟
– من فرحتي يا استاذ. فأنا تركت البحر من أجل بحر ومستقبله.
(يتبع غدًا)
***
*ملاحظة: إن أحداث هذه الرواية وشخصياتها من نسج الخيال حتى ولو تشابهت الأماكن والأسماء