المتوحِّد إسحق الآثوسيّ
الدكتور ربيعة أبي فاضل
وُلد فارس نمر عطاالله في ١٢ نيسان، ١٩٣٧، زهرةً فوّاحةً، في حقول بلدة نابيه – المتن. ممشوقُ القامة، عميقُ الابتسامة، صوته العذبُ رنّانٌ، يجذبُ أهل الفضاء، أيضًا، ونظراته، وأنا أتأمّله، في طفولتي، لها أبعادٌ وأعماق.
ترك البيت الأبويّ، وأناشيد الأب الأرثوذكسيّة المستقيمة، البهيّة، عام ١٩٦١، إلى البلمند ثمّ جزيرة باتموس، فجامعة تسالونيكي، إلى أن استقرّ في جبل آثوس (١٩٧٨- ١٩٩٨)، حيث تحوّل إلى رمز أنطاكيّ – آثوسيّ – صوفيّ، فتأمّل، وصلّى، وترجم، ورتّل، وسهر مع الحياة والموت، وتوحّد ربع قرن، وانفصل عن جسده مُغتبّطًا، في ١٦ تموز، ١٩٩٨.
أُنجزت كنيسة على اسمه، في بلدته نابيه، الآن، في نيسان ٢٠٢٢، بعد مرور خمس وثمانين سنة على ولادته، وأربعة وعشرين عامًا على وداعه الدّنيا. هذا الرمز الناسك، النّاهد، الماجد، الخالد، المُتخطّي ذاته، ومأسويّة الوجود، إلى الاتحاد بالله، أعاد ربط نابيه بجبل نابو أو جبل سمعان العمودي، في المدى الأنطاكي، كما ربط مشرق الروح بجبل أولياء الله، وأنقياء القلوب، في برّيّة اليونان العريقة، الطّاهرة، مُكتفيًا بغنى الزّهد، وبكتاب الحقّ والحياة، إنجيل الله.
هجر رجل الروح الأحياء الموتى، وعايش، هناك، في صمته، وسكينته، الموتى الأحياء: إسحق السّرياني، يوحنا السّينائي، يوحنا فم الذهب، باييسيوس الآثوسي، وغيرهم من الذين نادتهم غبطة الله. وعندما حفر قبره، في الجبل المقدّس، بيديه، وعينيه، ودموع فرحه، استقبلوه بالكِنّارات، والمزامير، وهتافات الحنان، ورافقه نور الله السّاكن في قلبه، وقلوبهم، خلال رحلته، من تراب البلدة الآرامية، نابيه، إلى تراب كبسالا، قرب عاصمة الجبل كارييس. إنه مثالٌ لنا، ولكلّ عارفٍ معنى الحياة، وطريق المسيح الحيّ.
تعالي، يا روح الناسك القديس، وأنقذي لبنان من الأبالسة البشر، ومن عبيد الجاه والسلطة والمال، وحرّري هذا المجتمع البائس، الحزين، المهاجر، ضحيّة الأوبئة والجوع، من مخطّطات الأشرار… إنّنا لفي خيبات بعد أن أدركنا أنّ الشجرة اليابسة، هنا، لا تُعطي الثّمار. تعالي، يا روح إسحق، وباييسيوس، نريد قدّيسين، ولا نتوقّع شيئًا من هؤلاء السّياسيّين!