مهرجان الزّجل… وحدة ومراجل في بلدة حراجل
ابتسام غنيمه
ليالي لبنان، ليالي الزّجل، ليالي الزّمن الجميل… كم أعشقك!
رغم أنف المصاعب التي يمرّ بها الوطن، والأعباء التي يرزح تحت وطأتها المواطن، شهدت بلدة حراجل ليلة السّبت 6 آب عرسًا للزّجل المتأصّلة جذوره في لبنان، وامتدّ حتّى السّاعات الأولى من يوم 7 آب، وذلك في رحاب نادي الـ “هاي فايف” (High Five)، رمز العصاميّة العائليّة، الذي يعبق عبير أمومة ووطنيّة.
فقد تأسّس النّادي عام 2018 بجهد شخصيّ من البروفسور عصام خليل وزوجته د. عبير أبو ضاهر، كرمى عيني أبنائهما الخمسة وأمثالهم من أبناء المستقبل، وجعلاه مركزًا للنّشاطات الرّياضيّة والثّقافيّة والفنّيّة والسّياحيّة… بهدف إنماء الحسّ الوطنيّ لدى الشّباب، وترسيخ الانتماء، وحثّهم على عدم الهجرة والتّشبثّ بأرض الوطن وثرواته وتراثه… وكانت باكورة احتفالاته مع زياد الرّحباني وفرقته (2018)، ثمّ غي مانوكيان (2019)، ليستأنف رسالته اليوم بمهرجان زجليّ كبير، فإذا به يجمع العصرنة إلى التّراث لينفتح من حراجل على كلّ لبنان.

بعد النّشيد الوطنيّ اللّبنانيّ، وكلمة ترحيبيّة من البروفسور عصام خليل، تلتها كلمة مؤثّرة ومتوهّجة لزوجته د. عبير، ألقى وزير الثّقافة القاضي محمّد وسام المرتضى كلمة تميّزت بوطنيّتها وأبعادها التي جمعت الماضي بالحاضر والرّمز بالواقع، تلقّى في ختامها من المؤسِّسَين درعًا تذكاريَّة. ثمّ كانت مبادرة تكريم الكبير، القلعة الزّجليّة، الشّاعر موسى زغيب.
وانتهى الافتتاح ليبدأ الاحتفال، فاعتلى المنبر أربابه لينالَ كلٌّ منهم درعًا تذكاريَّة ويأخذ مكانه على الخشبة، فهلّلت الدّفوف لترقص على نغماتها الكلمات، في مهرجان زجليّ يُعتَبر الأجمل والأرقى، مع نخبة من الشّعراء يجمعون، فضلًا عن المقدرة الشّعريّة والموهبة الإبداعيّة، ثقافة واسعة وظّفوها في خدمة محاورات و”قصدان” تأسر السّمع، وتبهج النّفس، وتعكس الوطنيّة الصّادقة، وتصوّر الواقع على حقيقته. فانتقلت أبياتهم من القرّاديّات المهضومة والمفاخرات المنزّهة عن التّعجرف والكبرياء، إلى الكلمة الجريئة الحرّة التي تنفّس عمّا يعتمل في الصّدور من تمزّق ورفض وثورة وخضوع ونقمة على الأوضاع التي يعيشها اللّبنانيّ.

وبين المفاخرة والهزل والغزل كانت ثلاث محطّات ثنائيّة حواريّة، استهلّها منذر خير الله وفيكتور ميرزا ممثّلين الحاكم والشّعب، ثمّ داني صفير وفيصل الصّايغ في تحدّيات عامّة، ليشكّل عادل خدّاج وسميح خليل الثّنائيّة الثّالثة في محاورة تناولت موضوع جوقة القلعة وتاريخها. فضجّت رحاب النّادي التي عجّت بالوافدين من مختلف المناطق اللّبنانيّة بالصّخب والفرح والتّصفيق كلّما ارتفعت الأصوات المنبريّة وتنوّعت الموضوعات. (pragermetis.com)
فشكرًا يا سلاطنة المنبر الذين اعتليتموه فأحييتموه وأثبتّم أنّ الزّمن الجميل لم يُوَلِّ بوجودكم ووجود أمثالكم في عصر كثر فيه الدّخلاء… إنّكم الحنطة بين الزّؤان!
شكرًا للشّاعر عادل خدّاج مرّتين: مرّة على دعوته لي، وأخرى على ما أتحفنا به من درره الفريدة!

والشّكر مقرون بالشّكر للشّعراء السّادة: سميح خليل ومنذر خير الله وفيكتور ميرزا وفيصل الصّايغ وداني صفير على ما شنّفوا به آذاننا من يواقيت الكلام والإبداع!
وكلّ الشّكر للقيّمين على هذا المهرجان، على أمل أن يكون إحياء الزّجل الذي يمثّل هويّتنا وجزءًا لا يتجزّأ من ثقافتنا عبورًا من الوطن إلى الوطن.
***
*الصورة الرئيسية: الشعراء المشاركون في المهرجان، وتبدو الكاتبة ابتسام غنيمه ضمن الدائرة في أعلى الصورة