سجلوا عندكم

وداد سكاكيني” ناقدة للنقاد” وزوجها “شاعر رغماً عنهُ”

Views: 610

المحامي معوض رياض الحجل

ولدت الأديبة اللبنانية الراحلة وداد سكاكيني في مدينة صيدا جنوب لبنان في عام 1913، ونشأت في العاصمة بيروت (مدينة والدتها) وتعلمت فيها، وتزوجت في دمشق، وعاشت قسمًا كبيرًا من حياتها في مصر. وقد بدأت ملامح التفوق والنبوغ المُبكر تظهر خلال تلقيهاالدروس في بيروت، فقد أظهرت في “وظائفها المدرسية بالإنشاء” ما يُبشر بموهبة أدبية استثنائية، كما تقول الراحلة في كتابها “سابقات العصر”.

لقد بدأت سكاكيني إبداعها الثقافي بكتابة القصص القصيرة، لكنها ما لبثت أن انتقلت إلى كتابة أنواع أخرى، أجادت فيها، وتميزت بفضل ثقافتها العميقة، وحسها المُرهف، وحياتها التي أنطوت على تجارب متنوعة وغنية، فكانت أديبة مُميزة في عطائها المتنوع والغزير كما يشهدُ لها جميع أبناء جيلها ومتابعيها.

لم تنتسب سكاكيني يوماً إلى أي جمعية أو حزب أو لجنة حكومية، وألقت الكثير من الأحاديث الأدبية في مُختلف الإذاعات العربية والأجنبية، وقد أتيح لها أن تقوم برحلات سياحية في عدد من البلدان العربية والغربية، وأن تكون ضمن الوفد الثقافي إلى فعاليات المهرجان العالمي للشباب والطلاب الذي نظمتهُ موسكو عام 1957.

بدأت الكتابة منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وكانت متنوعة الاهتمام بفنون الكتابة النثرية، كما اهتمت بمُختلف قضايا المرأة العربية، وكانت تجربتها ذات أبعاد مُتعددة وغنية. وقد توفيت عام 1991 في مطلع شهر كانون الثاني بعدما قدّمت للمكتبة الثقافية العربية ما يُقارب العشرين كتاباً في مجالات ثقافية متنوعة.

 

حياتها الزوجية

كان الدكتور زكي المحاسني موفداً من الحكومة السورية إلى القاهرة للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأدب العربي، وكانت تصحبهُ الأديبة سكاكيني (1913-1991). وفي حين كان زكي مُكرساً وقتهُ لدراساتهِ العليا، كانت وداد تَنشرُ مقالاتها وأقاصيصها في المجلات المصرية، فأكتسبت شهرة أدبية فاقت شهرة زوجها.

اقترن المحاسني (1909-1972) بالأديبة سكاكيني، وكانت في تلك المرحلة تعملُ في التدريس بكلية المقاصد الاسلامية في بيروت، وقد بدا نبوغها الاستثنائي ككاتبة ذات أسلوب متين، وظهرَ أبداعها الأدبي في مجال القصة القصيرة والطويلة والمقالة والنقد الأدبي، فذاعت شهرتها كأديبة مرموقة في كل من لبنان وسوريا ومصر، وأنجبت ثلاثة أطفال: ذكوان وذكاء وسماء.

عاش زكي ووداد في القاهرة في فترة طلب العلم بين عامي 1943 و1947 ثم عادا إلى دمشق.

عاشت سكاكيني مدة طويلة مع زوجها وأولادها في مصر حين عمل في السفارة السورية، وتوطدت صداقتهما بعدد كبير من أبرز الأدباء البارزين في القاهرة: توفيق الحكيم، عباس محمود العقاد، طه حسين، شوقي ضيف، وديع فلسطين، محمد عبد الغني حسن وغيرهم…

وكان لزواجها بالأديب زكي المحاسني الدور الابرز في دعمها وتشجيعها في مسيرتها الأدبية الطويلة، فتوالت تباعاً على نشر مقالاتها وقصصها الأدبية في مختلف الصحف المصرية واللبنانية والسورية، على أنها لم تلقَ في دمشق تشجيعاً كبيراً لأدبها كما لقيت في القاهرة، حيث عاشت مع زوجها وأولادها الثلاثة، والتقت خلالها بأعلام الأدب ولأكثر من جيل.

وقد جمعت سكاكيني مقالات وقصائد عن المحاسني في كتاب نُشر في العام 1973، أي بعد وفاتهِ بعام واحد، وسَاهمَ في الكتابة فيه عددٌ كبير من المُفكرين والادباء من لبنان، سوريا، العراق ومصر، وصَدرَ في دمشق بعنوان “تحية وذكرى”.

ثنائي أدبي مُتناغم

كان الدكتور المحاسني كما قَالَ عنهُ الاديب الراحل عبد الغني العطري “من وجوه الثقافة الرفيعة في بلاد الشام، وكان، مع زوجتهِ، يُمثلان ثنائيا ًأدبياً مُتناغماً ومُتناسقاً، تتطلع اليهِ القلوب بالحب والاحترام، وتهفو إلى رؤياه، وسماعهِ وقراءة آثاره، جماهير الادباء والمُثقفين.

وكنت أجد في هذين الزوجين أسرة مثالية لاجتماعهما على حب الأدب وأنصرافهما اليه دون سواه من الاهتمامات الاخرى، وكانا يختاران دائماً الاقامة في جزيرة الروضة الجميلة التي تقع بين نهر النيل وفروعه، بسبب قربها النسبي من الجامعة التي درس فيها المحاسني، ثم لأن حي الروضة أشتهر بكثرة المُقيمين فيه من المُشتغلين بالأدب والفكر مثل الدكتور شوقي ضيف، والشاعر عبد الرحمن صدقي ، وغيرهم، فارتبط المحاسني وزوجته بمعظم هؤلاء بصداقات وثيقة”.

 

سكاكيني وقضايا المرأة

يُبنى موقف سكاكيني ونظرتها تجاه المرأة العربية على موقفها من المجتمع نفسهِ، وضرورة العمل بكل السبل على إصلاح هذا المجتمع. وهذا الموقف الإصلاحي هو الذي دفعها إلى التطرق لقضايا المرأة العربية ومُعالجتها بشكلٍ هادئ وموضوعي ومتزن، مُعتمدة بشكل أساسي على التحليل، مُبتعدة عن التجريح كما تقول الدكتورة الأديبة نهى حجازي في كلمة ألقتها خلال ندوة ثقافية أقيمت تكريماً لـ “هذه الاديبة العربية الكبيرة”.
ولعلنا يمكننا فهم مفهوم الاصلاح ودور المرأة العربية لدى سكاكيني من خلال كلمة ألقتها في كلية البنات للمقاصد الإسلامية ذات مرة وقالت فيها:
“طريقنا إلى المجد النسوي المنشود أن نكون خير الأمهات والزوجات، وأخلص المديرات والمربيات للبيوت والأبناء، وأوفى المجاهدات للعروبة والوطن، على أن لا نهجم على هذه النهضة هجوم الجياع على القطاع، فما كل امرأة ينبغي أن تكون زعيمة أو معلمة، ولا كل سيدة يجب أن تصير طبيبة أو موظفة، فكل من النساء مسيّرة لما خلقت له من أمومة أو زعامة، من تدبير للمنزل أو تمرس بالفنون والقضايا الاجتماعية والإنسانية”.

أقوال في سكاكيني

قال الناقد المصري د. محمد مندور عنها: “كتبت وداد سكاكيني القصة والرواية قبل أن تشيع في عالمنا العربي فكرة الالتزام بالأدب، فقد أهتدت في أدبها القصصي إلى هذه الفكرة بوحي من ذاتها وإحساس صادق بحاجات المجتمع العربي”.

الأديبة السورية قمر كيلاني وصفت عمل الكاتبة سكاكيني الإبداعي بقولها: “لم أعرفها وأنا في مطلع شبابي الأدبي إلا على الورق، قرأت لها، كما قرأت لأديبات جيلها من مصر خاصة، وتوقفت عند عدد من كتبها، وما نسيتها قط “أروى بنت الخطوب.. بين النيل والنخيل.. أمهات المؤمنين” وسحرت ببلاغتها ونصاعة بيانها وقوة تعبيرها. وتابعتُ كثيراً من مقالاتها النقدية ومناظراتها الأدبية مع البارزين من النقاد والكتّاب في الوطن العربي فأعجبت بشخصيتها المتينة”.

وإذا انتقلنا للحديث عن شخصيتها النقدية، على مسار إبداعها الثقافي، تلفتنا كلمات الناقد جان كميد الذي وقف عند إسهامها النقدي موصفاً ومفصلاً في هذا المقطع: “وداد سكاكيني ليست ناقدة فحسب، بل هي مؤرخة لحركة النقد في عصرنا، وهي ناقدة للنقاد كما هي ناقدة للأدباء.. تلمس مواطن الضعف لديهم وتبرزها إبراز الناصح الموجه لتسديد خطا الأقلام الناقدة ودعوتها إلى إتقان فنها وأخذ العدة له من ثقافة ومراس، فهي قد اهتمت بتركيز النقد على أسسه الصحيحة وبأن يلتزم النقاد هذه الأسس في نقدهم وكان النقد النزيه هاجسها الدائم. وقد حددت أسس النقد الصحيح فجعلتها ثلاثة: معايير دقيقة واضحة، ثقافة عميقة شاملة، أهداف إنسانية رفيعة”.

 

المحاسني ” شاعر رغماً عنهُ”

الدكتور زكي المحاسني كما وصفهُ صديقهُ الاديب اللبناني الراحل جان كميد “شاعر رغماً عنهُ”، فهو لا يتكلفُ الشعر ولا ينظمهُ إلا عندما تلح عليه نفسه، فيجدها منساقة إلى التعبير بالشعر عما يجول في نفسهِ من خواطر وتأملات، أو عن هموم أمتهِ، وهو كغيرهِ من الشعراء العرب الذين تأثروا بنكبة فلسطين، وشاركوا أهلها همومهم وقضاياهم، فصوروا مأساتها بشعرهم.

وتميز في هذه الناحية شعراء، يأتي في مُقدمتهم زكي المحاسني، ومنهم أيضاً عمر أبو ريشة، سليمان العيسى، أنور العطار، وعلي دمر.

ويجد الأديب الناقد جان كميد في قصيدة المحاسني المُعنونة ” نسيم لبنان” هذه النبرة الشعرية من خلال الابيات التالية:

“يا نسمة الصبح من لبنان، ما صنعت/لك الشوامخ من شفاف ابراد؟/مررت بالعطر فأهتاجت مباسمه/وراح في الركب لا درب ولا حادي”

والمحاسني في رأيهِ يملكُ أداة التعبير الشعري وهو مُتمكن منها، وهي تطالعنا كيف جلنا في قصائده ، ومنها هذه الابيات من قصيد ” نجوى الى شجرة من الحور”: “اتشكو جولة الانهار حتى/ترى الليل البهيم هدوء بال/اطفرة هائم ام ثار غاز/كلا العزمين يعيا في القتال”. وفي قصيدة ” أنطلياس”: “ابيتا بدا في قمة الصوت غنني/مغانيك ضمت كل لحن مرقرق/وقفت على نبعيك ظمان من غد/سيملؤني شوقا لحلم مزوق”…

وعبّر كميد، وكان صديقاً للدكتور زكي المحاسني عن أعجابهِ بناحية مُتميزة من أدب المحاسني وهي أدب الرسائل فقال: “إن اللون الذي بودي أن اتحدث عنهُ من الوان ادب المحاسني، والذي يعد من ادبه الرفيع هو الترسل، فقد سما المحاسني بادب الرسائل الى قمة ربما لا يضارعه في بلوغها غير الريحاني ومن اليه من كبار المترسلين، وأنني لاعتبر نفسي من اكثر أصدقائهِ علماً بهذه الناحية من نواحي أدبه نظرا للمجموعة الكبيرة من الرسائل التي أملكها منهُ، وهي حصيلة ستة عشر عاماً من العلاقة والصداقة”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *