اللحظات الهاربة وحضور الأشياء

Views: 458

د. جوزاف ياغي الجميل

د. ربى سابا حبيب، سيدة الأناقة في القراءة والشعر. قراءتها ارتقاء إلى عالم السِّحر العرفانيّ، فكيف إذا كانت تكتب في أدب سَحَر الشعر والبوح والحب?

بين ربى وسحر خطّان متوازيان يتقاطعان في الحاسة السادسة للمرأة، في عمقها الوجداني الاثيري.

تلتقي الشاعرتان على بيدر الحرف المعتّق بالجمال، جمال الهنيهة، في تكونها الماورائيّ، حيث تتكدس اللحظات المقاومة للزمن والموت .

ٌفي عنوان الديوان:أكتبني حين أحببتني، للشاعرة الدكتورة سحر نبيه حيدر، تلازمٌ بين الكتابة والحب. يبدأ اللقاء في فعل الكتابة، بصيغة الأمر. والأمر يحمل في طياته استعطافًا ورجاء. يلي الأمرَ ظرفية متصلة بماض متصل في الزمان بالحاضر والمستقبل. هي حال احتراق الزمان، في لحظة الإبداع الشعريّ. ألم يقل الشاعر الفرنسي بول إيلوار: الشعر هو الفعل؟وهل يكون الفعل غير الكتابة في بعدها النورانيّ الخلّاق، المتصل بالآية القرآنية الكريمة: أكتب باسم ربك الذي خلق…؟

أكتب باسم ربك آية الحب. والحب، في شعر سحر حيدر، عالم روحاني لا تحدّه الظلال.

في قراءة الشاعرة الناقدة الدكتورة ربى سابا حبيب فيض من قراءات تتصل بحدس المرأة، أمام مرآة الذات، في لقائها والآخر. هذا اللقاء المتصل بإحساس مرهف تتلمس القارئة تفاصيله في عبق الأمكنة. 

تتحدث الدكتورة ربى عن التسامي، في الشعر الحيدري. وهو تسامِِ شعاره اختراق عالم المافوق، في ثنائية الحب والفرح. حب يتبدّى في نبضه حزن الأنا، في فرح الآخر. وهل الحزن إلا مقياس الفرح في الذاتَين الصغرى والكبرى؟

د. ربى سابا حبيب

 

ثنائية ثانية كشفتها الشاعرة حبيب، وهي ثنائية الحب والموت. وأكاد أضيف إلى هذه الثنائية/ الجدلية نوعا من التضحية بالذات في سبيل الآخر، أو ما نطلق عليه عملية بذل الذات، على صليب الفداء. وهذه سمة المرأة الشاعرة/الإلهة، في خضم الصراع الحضاري القديم المتجدد.

ثنائية ثالثة أطلقتها الشاعرة حبيب على كتابات سحر حيدر، وهي ثنائية الاستحالة والوصول. وفي هذه الثنائية ذروة الصراع بين الوعي واللاوعي، في ذات المبدع. ولعل الكبت هو المحراث الذي يشق أرض الواقع ليبذر فيها حبات الجمال والابداع.

بين واقع الشعر وحلم النقد يختار الاديب مسار كتابته، وجاذبية الإشارة، في سيميائيتها الضاجّة بالحياة.

تشير القارئة إلى بُعد ذكوريّ في الكتابة، وأكاد أصفه بنزعة نرجسيّة، هي في صميم إحساس الأنثى، في وصالها وعنصري الكتابة والحب، بما تحمله الكتابة من فعل جنسي، مرتبط بالهو، في مواجهة أنا الشاعرة، وهي الرغبة المتجاوزة عمق اعتراف مكبوت .

سحر نبيه حيدر، أيتها الحورية التي طردتها جنة الشعر، بعدما حاولت سرقة نار الحرف، إخالك على باب تلك الجنة تثورين، تجرفك نار الغضب، فتولمين للقارئ مائدة الرفض/الحزن/ الموت، كي يتحرر من وطأة الخنوع/الجوع/الحرمان.

ربى سابا حبيب، قراءتك حاولت كسر جليد الخوف، في جدلية الحضور والغياب. واذا الدائرة تتسع، تمتدّ شظاياها والأمواج، تصطخب، في ذاكرة الريح، تعانق القارئ والذات، وتشبع فضول البحث عن صخرة سيزيف في رمال النسيان المتحركة. 

بين الكتابة والحب حروف مبعثرة تبحث عن ارتواء. ولا ارتواء خارج حدود المسافة التي تفصل بين الشعر والنقد، في جدلية الثابت والمتحول، أو ما يسميه هوسرل حضور الأشياء الحر، الشفاف، الخالص.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *