أسس التربية الصحيحة وفق الإرشاد النفسي
العراق- د. سلاهب الغرابي
كثيراً ما نسمع شكوى من الأبوين بسبب صعوبة التربية للأبناء أو ربّما الشكوى نتيجة العقوق، والرد هنا سيكون سؤالاً؛ هل أحسنتم مسبقاً تربيتهم؟ وحتماً الإجابة: “ربيناهم أحسن تربية!”، ظناً منهم أن التربية هي الرعاية فقط. (https://hoyoskitchen.com)
نعلم أن بِرّ الوالدين واجب على الأبناء لا نقاش في ذلك سواء في حياتهم أو بعد مماتهم، لكن لابد من اعانتهم على ذلك من خلال حُسن تربيتهم وتوجيههم وتعليمهم.
يجب علينا أن نُحسِن تطبيق أسس التربية الصحيحة كي نُعين الأبناء على البرّ ونمنع حدوث مآل سوداوي لا تحمد عقباه.
ربّما قد يظن البعض بأن التربية ليست بصعبة ويُربي أطفاله وفق الآلية التي بُرمِج كيانه وفقها، وهذا ليس بالحل الأمثل لأن الطريقة التي تربى عليها الأبوين ليس بالضرورة أن تكون صحية وصحيحة، مع الأخذ بنظر الإعتبار تباين الأزمنة والتغير الملحوظ في الحياة من حيث السرعة والتطور التكنولوجي، وهذا ما أشار إليه سيد البلغاء الإمام علي -عليه السلام- بقوله:
“لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”
فليس بالضرورة أن تكون طفولة الأبوين خالية من العُقد النفسية، مع مراعاة اختلاف الأجيال وتغير ميولهم فلابد من الإستعداد الواعي لخوض تجربة تربية الأبناء وفق أُسس صحية وصحيحة.
قال تعالى: “وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً”.
والتربية الصحيحة هي تنشئة الطفل تنشئة سوية من الناحية الجسدية، والعقلية، والعاطفية بعيداً عن العنف الجسدي أو اللفظي.
الاعتدال في الرفق والعقاب
ومن أهم خطوات النجاح في التربية عدم المبالغة في العقاب أو في الإهتمام، فمَن يعتمد على العنف اللفظي أو الجسدي كأول الحلول فعلى الأرجح عليه أن يتقبل حجم الخيبة فيهم لاحقاً، لأنه ساهم في جعلهم فاشلين بسبب حرمانهم من الحُب والتقدير، ومَن يتطرف في منح الحُب والاهتمام فعليه ألّا يتذمر مستغرباً من جحودهم لأنه لم يوجههم بالتوجيه اللازم فجعلهم يتصفون بالأنانية، فالرفق وحده لايكفي والشدة وحدها لاتوفي، وخير الحلول هو الإعتدال في الرفق والعقاب فيجب العمل على غرس المبادئ والقيم في الأبناء بشكل تدريجي وحسب أعمارهم وتأديبهم وفق تعاليم ديننا دين الرحمة والإنسانية، أي نجعلهم ينجون من فخ التطرف ومن فخ الإنحلال، وإن صقل شخصية انسان ليس بالأمر الهين ولكن بالصبر وبإعادة التوجيه والاحتواء سنحصل على جيل واعي ونافع للمجتمع إن شاء الله.
في الحقيقة الفطرة والطيبة غير كافية لتوجيه الأبناء، وعلينا ان نعي ونهتم بمفهوم النوعية وليس الكمية؟ لااعتراض على مَن اختار الكثرة على القلة في عدد الأبناء، وكان أهلاً لإداء رسالته معهم فهنيئاً لهُ ولهم. ولكن من أصعب الصعاب أن نعمل على استنساخ الجهل ونورثه لأبنائنا، لابد أن نرمم أنفسنا قليلاً كي نكون قدوة أمامهم بأفعالنا قبل أقوالنا. لانطالب بالمثالية ولكن نسعى للأفضل دوماً، علينا أن نطور مهاراتنا ونتبع التوجيهات النفسية للنجاح في تنفيذ أُسس التربية على قدر المستطاع.
التربية الصحيحة
وهذه أهم الإرشادات النفسية للتربية الصحيحة مع الأسئلة الداعمة لتحقيقها:
كيف لنا ان نطالبهم بالرفق مع من حولهم وهم اعتادوا على اهمالنا لهم؟
الإهتمام: يجب متابعة الأطفال برفق وعدم اهمالهم والإشراف المباشر على تربيتهم.
عن رسول الله المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم – قال: “إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْراً أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الرِّفْقَ”.
يجب الحذر من غياب مكانة الوالدين بسبب انشغالهم كما يمكن الإستعانة بمختصين إذا كان الطفل ذي اعاقة، عدم تركهم مع المربية طول الوقت، عدم السماح بالتدخل في تربية الأبناء فمن الممكن الذي يتدخل في التربية يتهاون في التوجيه بعذر المحبة والدلال، فيجب منحهم الوقت الكافي للحديث معهم والاستماع اليهم ومعرفة مايجول في عقولهم، فمنحهم الحُب والحنان والأمان من اساسيات التربية الصحيحة ولايعوض عنه بذخ المال غير المبرر، ويجب التركيز على نقاط القوة لدى الابناء وليس نقاط الضعف لننجح في دعم مهاراتهم.
يجب توفير الوقت والإهتمام للأبناء وخاصة في مرحلة المراهقة ومؤكد سنكسب هدوئهم وبقائهم في البيت بتوفير احتياجاتهم ومؤكد الهواتف الذكية على رأس القائمة لديهم، ولكنه مزلق خطر إذا غابت المتابعة عنهم، كما يجب تخصيص وقت لهم في استخدامه ضمن قواعد الأُسرة، ففي مرحلة الطفولة هم بحاجة لرعاية أما في المراحل العمرية اللاحقة هم بحاجة لمتابعة ولسندٍ داعم لهم في مختلف المجالات مثلاً في إداء واجباتهم وحتى في تحديد اصدقائهم إلى أن يصل الأبناء لمرحلة النضوج ويتم الاعتماد عليهم في اكمال مسيرة حياتهم مع وجود متابعة الأبوين ولكن على نحوٍ آخر يليق بعمر الأبناء فمن الجميل أن تتكون علاقة صداقة الأبناء البالغين مع الأبوين ولكن وفق ضوابط، وانها لنعمة عظيمة إذا كسب الأبناء حنان الأم وأمان الأب.
كيف لنا أن نطالبهم بعدم تكرار أخطائهم مالم نعاقبهم؟
العقاب: عدم المبالغة في حجم ووقت العقاب فمثلاً إذا أحدث الطفل ضجة فيجب أن تجهّز مكانا معينا في البيت يجلس فيه الطفل بهدوء تحت مراقبتك، وتزداد مدة العقاب دقيقة لكل سنة نمو، أو يعاقب الطفل بأخذ لعبته لمدة يوم لكونه لم يضعها في مكانها المخصص، أو قطع المصروف اليومي للسن الأكبر، أو تقليل وقت اللعب واستبدالها بإداء مهام كتنظيف أو غيرها، أو تجاهله ومخاصمته لساعات ولاتتم المسامحة إلّا بعد الإعتذار والوعد بعدم تكرار الخطأ نفسه، يجب عدم التهاون في تطبيق العقوبة لأن في العقاب تأديب، مع ملاحظة التهاون يجعل الطفل لن يأخذ تنبيهك على محمل الجد فمن المحتمل لا يخافك لاحقاً.
كيف لنا أن نطالبهم بالتميز مالم نشجعهم؟
المكافئة: يجب مدح الطفل عندما يقوم بما طلب منه ومنحه هدية أو زيادة بوقت اللعب أو توفير الحلوى المفضلة لديه، عدم مدح الادأبناء يجعلهم يفعلون ما لانريد للفت الانتباه لأن المدح يعمل على تحفيز السلوك الإيجابي لدى الطفل، يجب منحه فرصة التجربة في الإعتماد على ذاته حتى وإن فشل فمصيره سينجح وحينها يجب شكره ومدحه لأنه لعب مع أخوه أو أخته أو تقاسم طعامه مع اصدقائه أو لأنه يضع العابه في مكانها المخصص، فكل هذا يعزز التربية السّوية فيه، يجب مدح الابناء بشكل معقول وغير مبالغ به لأن المدح المبالغ به سيولد نتائج عكسية كالغرور وحُب الانا.
كيف لنا أن نطالبهم بالنظام مالم نحدد قواعده لهم؟
القواعد: يجب وضع قواعد خاصة للبيئة الأسرية الصحية من الأبوين ويتم فرض العقوبة على مَن لايلتزم بها مثلاً ترتيب الغرفة، اداء الواجبات الدراسية، احترام وقت وجبات الطعام وعدم تضييعها، التزام الأبناء في الوقت المحدد للنوم وحسب الأعمار، تحديد أوقات اللعب أو تطوير الهوايات وعدم السماح لهم باللهو طول الوقت لتقل فرص الإدمان على الألعاب والهواتف الذكية، كيف لهم أن يتعلموا فن إدارة الوقت، ومانريده منهم؟ مالم يتم توجيههم مسبقاً.
كيف لنا أن ننصحهم بإداء الصلاة وادامتها ونحن لانصلي؟
القيم والمبادئ: على الوالدين غرس القيم والمبادىء السّامية في نفوس الأبناء منذ الطفولة كي يتحلوا بالأخلاق التي أكدت عليها كل الاديان السّماوية وخيرها ديننا الإسلامي، فلا بد أن نفتخر بديننا، وبرسولنا الأكرم، وآله الأطهار أمام الأبناء ونعلمهم بإن الله رحيم لكنه شديد العقاب، عدم التهاون في الصلاة والصيام وبرّ الوالدين، ونحبب لهم الدعاء والصدقة وغيرها من صالح الأعمال، ويجب تعليمهم الوسطية في التوجه الديني وإن زادت وفق الضوابط الصحية فهذا المُرتجى، بالإضافة إلى غرس ثقافة الاحترام وحُب الخير للغير، الصدق، التعاون، شجاعة الإعتذار، التسامح، والابتعاد ونبذ كل ماهو مُشين كالكذب،الأنانية، الحقد، الغيرة، والتكبر وكل مايضخم المشاعر السلبية.
كيف لنا ان نطالبهم بشخصية ناجحة ونحن لانعزز ثقتهم بأنفسهم؟
تقدير الذات: يجب أن يشعر الأبناء برضا تجا أنفسهم وهذا لايتحقق مالم نمحهم الثقة والإحترام.
ففي مرحلة الطفولة نراهم يسعون لإداء مهارات جديدة لزرع الثقة بانفسهم مثل الحبو، المشي، ارتداء الملابس، وتناول الطعام بعد محاولات عديدة.
يؤثر تقدير الذات على الابناء في اعتزازهم بأنفسهم وعلى صداقاتهم مع الآخرين، ونجاحهم في المدرسة، وقدرتهم على حل المشاكل التي سيواجهونها في الحياة مما يشعرهم بأنهم ناجحون.
ولكي يتحقق تقدير الذات للأبناء على الأبوين منحهم التقدير والتشجيع، عدم الإستهانة بقدراتهم، عدم احراجهم بتوبيخهم أمام الآخرين وعدم مقارنتهم مع اقرانهم لأن هذه المقارنة ستولد مشاعر سلبية لديهم وإن كانت الغاية من المقارنة هي شحذ هممهم لكن في النتيجة سنجعلهم يشعرون بالفشل ولن يرتفع تقديرهم لذاتهم فيما بعد بسهولة، وبالاضافة الى هذا يجب على الأبوين عدم اخبار الأبناء بحُب مشروط مثلاً لن أحبك إذا كسرت العابك، سأحبك إذا رتبتَ غرفتك، سأحبك إذا أديتَ واجبك وإذا نمت مبكراً وغيرها هذا الكلام مؤثر في نفسية الأبناء وسيجذر فيهم حُبنا لهم محدود وبعيد المنال، وهذا خطأ لأن حُب الطفل فطري لامشروط فطريقة التهديد من خلال المشاعر مع الطفل ستكون مشوشة لأفكاره لكونه لايعيها.
يجب الحرص على زرع الثقة في الأبناء، واخبارهم بأننا فخورون بهم، فكلما كان تقدير الذات عالي كلما كانت الشخصية قوية وأهلاً للإعتماد عليها تحت مختلف الضغوط.
كيف لنا أن نلومهم على سلوك قلدونا به ونحن قدوتهم المُثلى؟
القيادة: على الأبوين أن يحافظان على دور القدوة فهما المثل الأعلى لأولادهم، وخاصة في مرحلة الطفولة فالأطفال لايجيدون سوى التقليد، فيجب التحكم بالسلوكيات أمام الأبناء وعدم ممارسة أي سلوك عدواني كالتنمر أو إعلان المشاعر السلبية أمامهم، على الأبوين السعي في أن يكونا قدوة في نظر الأبناء في بِرّهم، وعباداتهم، وشخصيتهم، وفي كل شيء، كما يتوجب عدم حل الخلافات الزوجية أمام الأبناء، عدم الشكوى أمامهم نتيجة أي أمر كضيق مالي أو غيره لكي لانشعرهم بأنهم نقمة علينا وليسوا نعمة وهذا خلاف الحقيقة، فعلى الأبوين الصبر وتجنب ضربهم إلا إذا لزم الأمر في حالة العصيان كآخر الحلول لإرشادهم إلى طريق الحق.
فالتحلي بالرفق والتحكم بالمشاعر الإنفعالية وعدم إعلان الضعف أمامهم سيصقل ذاتهم ويجعل شخصيتهم أقوى، عدم المبالغة فيما نطلب منهم، ولاننسى إن الأبناء مرآة للأبوين فعلى الأبوين التخلّق بكلِّ ماهو أهلاً للأبوة وللأمومة كي تتم إداء رسالة التربية بنجاح ما تيسر منها على أتم وجه وكما يرضي الله تعالى.