في كتابه “الطلاق يهدّد أمن المجتمع”… علي محمد الشرفاء الحمّادي مفكر إصلاحي مستنير
إخلاص عبد الهادي
من الواضح جدّا أن المفكّر العربي الإسلامي علي محمد الشرفاء الحمّادي يرفع لواء تحصين الإسلام وتنقيته ممّا علق به من فتاوى أدّت إلى العبث في مجتمعاتنا من خلال التسبّب بتفكّك الأسَروتشريد الأطفال وانهيار القيَم. وهي فتاوى، كما يقول،”تراكمتْ علينا كان مصدرها مخلفات بالية من موروث عتيق لاجتهادات بشريّة اعتمدت على روايات منقولة غير معروفة المصدر”.
جاء ذلك في كتاب وصلتْ إليّ نسخة من طبعته الخامسة التي صدرت في العام 2021، وكان هذا الكتاب قد فاز بجائزة أفضل كتاب لسنة 2019، ما يؤكد على القيمة العالية لطريقة المقاربة وللمضمون الفكري لهذا المؤلَّف. واللافت أنه أشبه ما يكون بكرّاس لا تتعدى صفحاته الستين من القطع الوسط. فما هو السرّ وراء هذه القيمة الكبيرة لهذا الكتاب الصغير؟ ولماذا أعيد طبعه كل هذه المرّات؟ ولماذا اعتُبِرَ أفضل كتاب؟
الحقيقة أن اهميّة الكتاب تكمن في موضوعه، وعنوانه ” الطلاق يهدّد أمن المجتمع”، وكذلك في طريقة المقاربة المنفتحة على روح الإسلام الحقيقي، كما ورد في التشريع الإلهي وليس كما شاءت له الإجتهادات اللاحقة أن يكون. ومن نقاط قوة الكتاب أنه يعالج موضوع الطلاق البالغ الخطورة باسلوب منطقي بسيط للغاية يجعله في متناول عامة الناس الذين هم المعنيون المباشرون به.
وقد كان بإمكان المفكر علي محمد الشرفاء الحمّادي أن يكتب طويلا في الموضوع وأن يستهلك مئات الصفحات، مستندا إلى تشبّعه العميق بالتشريع الإلهي، لكنه آثر الإختصارالبليغ لأن الرسالة تُقرأ من عنوانها، كما يُقال، ولأن ما يمكن قوله بمائة كلمة مركّزة لا حاجة لفلشه على ألف كلمة فيتبدّد مغزاه ويتراجع اكتنازه.
وأنا قرأتُ الكتاب كلمة كلمة، ووجدتُه صادرا عن صاحب فكر نيِّرٍ يريد خير الإسلام وصون المجتمعات الإسلاميّة من التأثيرات السلبية للطلاق الشفهي، كما يسمّيه، وهو طلاق غالبا ما يكون ناتجا عن انفعال أو عن حالة غضب عابرة، لكن نتائجه الكارثيّة تدوم أجيالا وأجيالا وتتسبّب بتفكيك مجتمعات وضياع ملايين الأطفال، فضلا عن إلحاق الأذى والضرر البالغيْن بالمرأة التي تقع ضحية حالة الغضب الإنفعاليّة هذه.
في القسم الأول من الكتاب، وهو التمهيد، يفنّد المفكر الحمّادي ” حقوق المرأة في القرآن”، مستندا إلى آيات بيّنات تثبت “أن الله خلق الذكر والأنثى في مرتبة واحدة وحدّد لكلّ منهما مسؤوليته في الحياة”. ويؤكد الحمّادي أن عدد الآيات التي تتعلق بحقوق المرأة تتجاوز السبعين آية” تتضمن تشريعاتٍ وأحكامًا وعظات لحماية المرأة من أيّ تعسف في معاملتها من قِبَل الرجل”. ولأن الرجل أحتكر وضع كتب الفقه فإنه انحاز لنفسه وظُلِمَتْ المرأة ” بشكل يخالف التشريع الإلهي”، كما يؤكد.
وينتقل في القسم الثاني من الكتاب إلى تناول الآثار الكارثيّة للطلاق الشفهي الذي انتشر نتيجة الإجتهادات المغلوطة” ولذلك ترتّب على الروايات الكثير من الكوارث الإجتماعيّة وتدمير الأسرة الإسلاميّة”. ويستند المؤلف إلى الآية الأولى من سورة {الطلاق} ليستنتج أنه “إذا عزم الإنسان وعقد النيّة على الطلاق لا يتمّ الإنفصال الكامل إلا بعد العِدّة، وهي أربعة شهور. ممّا يعني…أنها مهلة للزوجيْن لمراجعة علاقتهما ولا يُخرجها من البيت”. كما يذكّر الكاتب بالآيتين 35 و128 من سورة {النساء}، بضرورة السعي من قبل عائلة الطرفيْن من أجل تحقيق الصلح بينهما، كي” يتمّ التوافق بينهما على قاعدة المساواة في الموافقة على الصلح من أجل استمرار الحياة الزوجيّة”.
وفي القسم الثالث من الكتاب يطرح الكاتب تساؤلا محوريّا هو “مَنْ يُنصف الزوجات؟”، ليقرّر أن الذكوريّين “ضلّلوا المسلمين في مقاصد الآيات ولعبوا في مفاهيم التشريع القرآني بحقوق المرأة… ثمّ اخترعوا فقهًا ظالمًا ووضعوا له قوانين إجراميّة في حق المرأة، عندما اخترعوا ما يُعرف ببيت الطاعة”.
ويخصّص القسم الرابع لأحكام عامّة تتعلق باحتمال أن يتم الطلاق والإنفصال النهائي والمرأة حامل، حينها “على الزوج أن يسْكنها عنده إن كان لديه متّسع أو أن يؤمّن لها بيتا مناسبا لتضع حملها وترضعه وترعاه وتقوم بتربيته.”
أما القسم الخامس والأخير، فهو في حد ذاته يقدّم الدليل القاطع على أن المفكرعلي محمد الشرفاء الحمّادي هو مفكر إصلاحي تنويري يهدف في كلّ ما يكتب إلى تحصين الإسلام من خلال العودة إلى التشريع الإلهي دون سواه، وبما يضمن صون المجتمعات الإسلاميّة من التفكك بسبب كوارث الطلاق الشفهي!
ويتجلى ذلك في اقتراحه عقد النكاح، أي الزواج، على قاعدة احترام حقوق المرأة كما وردتْ في كتاب الله، وكذلك الالتزام بكل ما من شأنه أن يضمن استقرار العائلةوتربية الأطفال تربية صالحة وتأمين مستلزماتهم. ولعلّ أهمّ ما في هذا العقد المقترَحقول الحمّادي في البند الثالث عشر، ما حرفيته:”لا يتحقّق الإنفصال بينهما في حالة قول الطرف الأول للثاني”أنتِ طالق” شفاهة، ويعتبًر هذا القول بمثابة لغو لا يترتب عليه اي انفصال، حيث بدر من الطرف الأول في حالة غضب أو إعياء أو تحت حالة نفسيّة أو مؤثرات تجاريّة..”
وفي هذا، من دون أدنى شك، رفعٌ لغبن أساسي لحق ظلما بالمرأة المسلمة عبر العصور، وأدى إلى تفكك عائلات كثيرة وتشرّد أطفال لا حول لهم ولا قوة. وها أن المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي يستند إلى التشريع الإلهي الذي لا يُعلَى عليه، لكي ينقذ النساء من هذا الظلم وينجّي المجتمع الإسلامي من هذه النتائج الكارثيّة!
كم نحن بحاجة إلى إصلاحيين مسلمين مستنيرينأمثال علي الحمّادي!