سجلوا عندكم

لم تعد القصائد تكفي

Views: 20

د. جان توما

كتبت الشاعرة رباب، ابنة الشاعر محمد علي شمس الدين، في ذكراه الأولى: ” قلبان عندي… وعندي وهج قافيةٍ/ حان البكاء… وحان الغيب والسفرُ/ ذاكَ المحلّق في العلياء بعضَ رؤى/ أنا الجناحُ… إذا ما طار ينكسِرُ/ ويحُ الغياب إذا ما جئتُ أقرأهُ/ كلّ القصائدِ في ذكراه تُختصرُ”.

 كأنّ المطارح تصير مدى الشاعر الماضي إلى مثواه بكفن قصيدته، إذ تلتفّ الأبيات كما الأيك، فتشدو الأطيار بحضوره بصمت المتوارين. يغدو القلب قلبين، بنبض واحد، تهبّ فيه رياح الشوق فلا تقع إلّا على نشيج وألم. لم تعد القوافي كافية لترميم وجع “الآن”، لذا يستمر البحث عن وهج قافية، فمتى حان موسم الغياب والسفر يأتي مثقلاً بالذكريات، يدمّل حملها الكتفين، فتبصر من بعيد أرض الميعاد، كالعاشقين، ولا تدخلها.

مضى الوالد محمد علي شمس الدين، شاعرًا رؤيويًّا إلى علياء القصيدة التي لم ينشدها، والمفردة التي لم يسعها قاموس، والصورة التي لم يظهّرها التوتر في أزمة التألق وحلاوة الإبداع. بهذا الحبر الأبويّ خطّت الابنة رسالة ودّ إلى من كان يدربّها على الطيران، ولم تتقنه، قصدًا، ليبقى قربها دليلَ سفر وبوصلة إبحار.

الأب ديوان الحياة، يزهرُ كلّ يومٍ بيتًا جميلًا للمواجهة، يجول الأبناء في ساحات القصيدة الآمنة، قبل أن تشرّع ريحُ الغياب الأبوابَ والشبابيك، ويفقد الأطفال الذين يكبرون فجأة بعد رحيل الأب،”الغرفية” التي بناها، كمحمد علي شمس الدين، عرزالاً من قصب ناي وأنّة مزمار، عرزال العفوية والبساطة، مستقبِلًا وهج الشمس وخيالات الفجر العابرة جسر الأودية خفافًا. تحجّ السنونوات إلى تكايا هذا العرزال لتتعلّم الطيران، تفرد أجنحتها في حضرة الأبّوة سالمة متخايلة، وعند الغياب تصبح الأجنحة المتكسّرة ملأى العرازيلْ، تطرّز بريشها العمر بدمع الشوق الململَمِ من أطراف المناديلْ.

من يقرأ كفّ الغيابْ يمضي إلى التيه في عزّ اليبابْ؟ من يقرأ دوواين العيون الثكلى بآهات الفراق والأنين يسكن الأحداق التعبى؟ يجيء المشتاقون إلى مرابع العطر، يقرأون بأبجديّة الحواس إذ إنّ  كلّ القصائدِ في ذكرى الأب تُختصرُ.

(Klonopin online)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *