سجلوا عندكم

ليبيا

Views: 370

د. جان توما

يطوف إعصار ليبيا مجنونًا فيما الطوّافون يتوضأون تيممًا، فيلفّهم بأكفان من وجع، ليلاقوا ربّهم آمنين مطمئنين، بسكينة لا توتّرها اضطرابات دورانه ولا ترنّحاته، ولا خطواته السكرى الآخذة خبط عشواء درب الطمأنينة لكلّ معتصم بربّه.

يطلع البحر إلى مدينة” درنة”، والناس اعتادت على  تقلبّات الطقس، فلم تفزع، ولم تهرع، بل رأت في رذاذه المالح شيئًا من هذا الافتقاد الذي يودّه المرء كلّما عصفت به تكاليف الحياة، أو قست ظروف المعيشة. ما خطر ببال جيران اليمّ وأهل المدن المالحة أن طيور النورس تحكي لهم قصص البحارة الذين ابتلعهم البحر حين خرجوا إليه، ولم يخطر ببالهم أنّ البحر سيخرج يومًا إليهم ليبتلعهم، تحقيقًا لقول السابقين: “يأتي يوم، يَسترد فيه البحر ما أُخِذَ منه”.

كم تبدو القوة البشريّة المتباهية ضعيفة أمام عناصر الطببعة؟ كم تبدو هشاشة المرء هزيلة ( إذا زُلزِلَتِ الأرضُ زِلْزَالَهَا، وَاَخْرَجَتِ الأرضُ أثقَالَهَا)، لكأنّ الإنسان في صراع مع القوّة التي تحمله طيلة عمره، ترابًا ورزقًا وعملا. ما هذه الأرض المستديرة التي كلّما لفّها الآدمي لفّته بمآسيها، فيما فرحه لا تسعه الدُّنى بإنجازاته وصنائعه؟.

ليبيا المجروحة ، الواقفة على حدّ سكين جنون الطبيعة ستلقى السكون بعد الضجيج، وستمضي إلى آفاقها التي يتطلّع إليها أبناؤها الموجوعون، فصلاتهم وصلت إلى السماء، وصراخهم مزّق القلوب الواجفة من بطش الأعاصير “وسيمسح الله كلّ دمعة من عيونهم”.

يا الاعصار الضارب هدأة الناس، ارحل بسلام، ويا البحر الطالع في عتم الليل، ارجع إلى شاطئك واكتفِ بمائك، فقد ملأ دمع العيون المحاجر والمآقي، فسبحان الحيّ الباقي.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *