“جمعيّة عدل ورحمة”: التنمية المستدامة والمرأة/ سحر حيدر: تمكين المرأة ضروري لتحقيق التنمية المستدامة… الأب بعقليني: ضمن مشروعنا “الأمن الغذائي في لبنان” أكّدت المرأة الريفيّة مكانتها الفاعلة في التنمية
“تمكين المرأة لتحقيق التنمية المُستدامة”، عنوان تطرقت إليه د. سحر نبيه حيدر (متخصصة في شؤون المرأة، مناهضة للعنف، أمينة سر “جمعيّة عدل ورحمة”) في المحاضرة التي ألقتها ضمن المؤتمر العربي السادس للمرأة الريادية بعنوان “ريادة المرأة وإنماء المجتمع في مقر اتحاد الغرف العربية، وذلك انطلاقًا من تجربة “جمعيّة عدل ورحمة” التي أخذت على عاتقها منذ ثلاث سنوات تنفيذ مشاريع تتعلق بالتنمية المُستدامة، أبرزها “مشروع الأمن الغذائي” الذي أفرد للمرأة دورًا أساسيًا لتعزيز مكانتها في التنمية، إلى جانب عطاء الجمعيّة المستمر منذ 25 سنة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان لا سيّما المحرومين من حريتهم في السجون اللبنانية والمرتهنين للمخدرات.
نظرًا إلى أهمية الطرح، أصدرت الجمعيّة المحاضرة في كتيّب كتب التوطئة له رئيس الجمعيّة الأب الدكتور نجيب بعقليني.
في محاضرتها وضعت د. سحر نبيه حيدر نقاطًا محدّدة وسريعة “عسانا نوفق مستقبلًا وبفضل تكافلنا الصادق إلى وضع أسس ثابتة فاعلةٍ وفعالة لتحقيق وتكملة المسار الذي سعت إليه من قبل نساء لبنان الرائدات منذ العام 1924 اللواتي أبهرن العالم بدورهن الفاعل في الساحات لعقود من العمل والنضال الحقوقي والنسوي لتحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على هويتنا الشرقية التي تميزنا”.
في نظرة تاريخية حول مفهوم التمكين أوضحت أنه يعود إلى “ستينيات القرن الماضي لارتباطه بالحركات الاجتماعية التي تنادي بالحقوق المدنية والاجتماعية للمواطنين، كما ارتبط بأعمال عالم النفس فرويد والحركات المدافعة عن السود وعن الحقوق النسوية”.
أشارت إلى أن “عملية تمكين المرأة بمفهومها الحالي والهادف- وأنا أختار عبارة “تمكين الإنسان- الفرد، أي الرجل والمرأة” تعني تزويده بالمهارات والأدوات والمعلومات والمسؤولية المتعلقة بعمله، ليتمكن كلّ في موقعه ومهامه الموكلة إليه وبحسب قدراته والمعطيات المتوفرة من تطوير الذات والتفاعل مع الآخر، واتخاذ القرارات المناسبة من دون حاجة إلى موافقة مسبقة من أي طرفٍ آخر، ويترتب عليه “تحمل المسؤولية كاملة” في الفشل كما في النجاح، ويحاسب كلّ فردٍ على عمله سواء أكان رجلًا أم امرأة” مسؤول، يكافئ من دون تمييز، على أساس ما قدمه”.
من ثم عرضت نقاطًا سريعة أوضحت فيها العلاقة الوثيقة والمتوازنة بين التمكين والتنمية المُستدامة:
- تعزيز المشاركة في اتخاذ القرار: مما يساهم في توجيه السياسات والاستثمارات نحو أولويات تنموية مستدامة ويعكس احتياجات المجتمع بشكل أفضل.
- تعزيز الوصول إلى الموارد والفرص: من دون تمييز في النوع، على سبيل المثال، قد تستثمر المرأة في التعليم والصحة والزراعة المُستدامة، كما الرجل، عبر تمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا ومعلوماتيًا، ما دامت ترغب في ذلك من دون إكراه أو ضغطٍ من قبل أحد أو تحدٍ تخضع له لتثبت ذاتها.
- تحسين الصحة والتعليم: أهمية تطبيق الزامية التعليم على مختلف الصعد وفي انحاء البلاد وتقديم الدعم اللازم والضروري للفتاة كما للشاب، من دون استثناء، كذلك إعادة النظر في مسألة الرعاية الصحية يسهم في تحسين جودة الحياة للأسر وبالتالي المجتمع ويساعد في في تحقيق أهداف التنمية المُستدامة اي الطويلة الأمد والمتجددة من دون انقطاع..
- تعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية: مما يسهم في تقليل الفوارق بين الطبقات وتعزيز الاستدامة الاجتماعية ومعالجة المشاكل والصعوبات التي تواجه “الفرد” من دون تمييز او واسطة او أسبقية أو تحايل على القانون، نعم من دون تفريق لا في النوع أو في الطبقة الاجتماعية او البيئة.
- تعزيز المشاركة في سوق العمل: من دون تحيز بل كلّ بحسب كفاءاته. تمكين المرأة من دخول سوق العمل بشكل واسع وتحسين مهاراتها وموقعها الاقتصادي، يؤدي إلى نمو اقتصادي أكثر استدامة وتحسين فرص العمل والدخل للعائلات. وهنا اسمحوا لي بتحية جهود الجمعيات الاهلية الداعمة للمرأة وأخص بالشكر جمعية “عدل ورحمة” التي أطلقت منذ ثلاث سنوات مشروع الأمن الغذائي بهدف تحقيق التنمية المُستدامة بخاصة في المناطق الزراعية وقدمت الدعم لثلاثمائة عائلة غالبية أفرادها من النساء اللواتي عملن في الزراعة والصناعة الغذائية وقدمن الدعم لأسرهن واولادهن.
التمكين عملية تغيير تقوم على أساس سياسات محددة الأهداف يشرف على تنفيذها إلى جانب السلطة السياسية هيئات المجتمع المدني بهدف إدخال نظم جديدة وتهيئة المناخات المؤاتية والظروف المتاحة لتحقيق التغيير ونماء المجتمع، على مختلف الصعد. التنمية مجموعة نضالات مستمرة وجهود منظمة، تسير وفق خطط متناسقة هادفة ومنسّقة بين الإمكانيات البشرية المتاحة والمادية المتيسّرة، التي تهدف إلى رفع الدخل القومي والفردي ومستوى حياة الإنسان على مختلف الصعد من دون الانتقاص من كرامته او استعباده أو استغلاله”.
ختمت: “التمكين لا يعني استقواء المرأة على الرجل او إلغاء دوره او الانتقام منه، بل يعني مساعدة الآخر ومساندته ودعمه كي يحقق الخير لذاته ولمجتمعه ويرتقي على سلم النجاح بعزة واستحقاق. جميعنا مسؤولون، كلّ في موقعه، اباء وأمهات، معلمون وأكاديميون، سياسيون ورجال دين وعاملون في المجال الاجتماعي… مسؤولون نحن عن نهضة الانسان الفرد المواطن الحر بكيانه وشخصيته ووجوده. ليتنا نستبدل كلمة “تنشئة” بدل كلمة تمكين، كلمة تضامن وتكافل وتعاقد من أجل مستقبلٍ آمن لبلادنا وأهلنا وأولادنا، ومجتمعٍ سليمٍ يبدأ من الأمس ويستمرّ إلى الغد”.
الأب نجيب بعقليني
تعليقًا على محاضرة د. سحر نبيه حيدر وعلاقة المرأة بالتنمية اعتبر الأب الدكتور نجيب بعقليني “رئيس جمعيّة عدل ورحمة” (في التوطئة ضمن الكُتيّب) أن الجمعية تنفذ منذ ثلاث سنوات مشروعَ “الأمن الغذائي في لبنان” مع ٣٠٠ عائلة في كافة محافظات لبنان ضِمن التنمية المُستدامة التي تُحاكي استراتيجيّةَ الجمعيّةِ المُتفاعلةِ مع حاجات المُجتمع، لا سيما في هذا الزمن الصعب. من هنا يتطابَقُ نصّ الدكتورة سحر نبيه حيدر، أمينة سرّ الجمعيّة، مع أفكار جمعيّتِنا ومبادئها”.
أضاف: “إلى جانِب دفاعِها عن حقوق الإنسان، لم ولن تتجاهل جمعيّتُنا أهميّةَ التنميةِ المُستدامة ودورَ المرأةِ الفاعِل والأساسيّ في تحقيق أهدافِ التنمية وركائزِها”.
أوضح أن “غاية التنمية المُستدامة خدمة الإنسان، لذا عليه العمل على تطوير ذاته، لتنفيذ برامجِها كاملةً، عبر تنمية الموارِد البشريّة. من هنا نؤكد أن المرأة مُحرّك أساسي ورُكن ضروري لتحقيق أهدافِ التنمية المُستدامة والشاملة. نعم، إنها عنصر بشري مُهمّ كونها تُشكّل دعامةً في العمليّة الإنتاجيّة، من خلال الربط بين التنمية والتربية والعِلم في تطوير مؤهلاتِها ومهاراتِها وترشيد نشاطِها خدمة للنشاط الجماعي في الإنتاج، لذا لا بدّ من دعم المرأة وتشجيعها لخوض مجالات عمل جديدة ومتنوّعة، والمُشاركة في إعداد الخُطط، وتنفيذها، في المجالات التنمويّة، وعلى الصعد كافة”.
وجه تحية تأييد إلى “الجمعيّات غير الحكوميّة التي عبّدت الطريق أمام المرأة لخوض الحياة السياسيّة، ما منحها زخمًا معنويًّا، وأرضيّة خصبة للتعبير بواقعيّة عن قضاياها. اليوم، بات مُلحًّا أن يسمحَ المُجتمع للمرأة بمُناقشة القضايا الشائكة ومُعالجتِها، خصوصًا تلك التي تطالُها، لا سيما أن قضايا المرأة تُعتبر أحد الأركان الأساسيّة لقضايا المجتمع والوطن”.
تابع: “تُناضل المرأة من أجل تثبيت دورِها ومكانتِها على أساس المُساواة مع الرجل، في بعض المجالات. وهذا منطقي وطبيعي لأن الرجُلَ رجل، في تركبته، والمرأة امرأة. لا بدّ من أن يُعالِج المجتمع أوضاع المرأة وإنصافها من خلال تبنّي قرارات، واتخاذ تدابير سياسية وقانونيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، من هنا مطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحطيم الحواجز، وتغيير الذهنيّات والصُور النمطيّة، وتجاوز رواسب الصورةِ السلبيّة القاتمةِ للمرأةِ في الثقافة والمُجتمع، لا سيما دورِها ومكانتِها، ورسم صورةٍ أكثر موضوعيّة وتوازنًا”.
أشار إلى أنه “من خلال مشروعنا “الأمن الغذائي في لبنان”، أكّدت المرأة الريفيّة دورها ومكانتها الفاعلة في عمليّة التنمية، عبر العمل الزراعي والتصنيع الزراعي وتسويقِه. لا شكّ في أنّ التنمية الاقتصاديّة تؤدي إلى تحسين أوضاع المرأة في العالم، وهو عامِل تنموي واقتصادي مهمّ، كذلك تؤدي إلى مُحاصرة الفَقر”.
ذكّر بأن “أهميّة استراتيجيّة التنمية وضرورتها تنطلقان من الواقِع المُعاش للمُجتمعات، ما يُبرهن أن المرأة في المُعادلة التنمويّة هي محرّك أساس لأنها أحد عناصر الإنتاج والتنظيم”.
سأل: “ماذا يعني الوعي الذاتي للمرأة؟ يعني العمل على تثقيف ذاتها، عبر بناء شخصيّة مُتميّزة ومُستقلّة، قادرة على اتخاذ الخيارات والقرارات بطريقةٍ صائبةٍ وسليمةٍ وصحيحة”.
ختم: “يشكّل الوعي الذاتي لدى المرأة، النابعُ من قناعةٍ راسخةٍ، وقُدرةٍ ذاتيّةٍ، وإرادةٍ حُرّة متطوّرة، قاعدةً متينةً لإعادة رسم ذهنيّة تربويّة مُنفتحة ومُتطوّرة على التنمية المُستدامة. حينئذ تُثبت المرأة، أنها، فعلًا، عاملٌ تجديدي، لأنها تملُك المؤهلاتِ المُناسبة، والقُدرةَ على التفاعُل في عمليّة التغيير وإعادة إصلاح المُجتمع. أليست المرأةُ عاملَ توازُنٍ في المُجتمع؟”