مائة عام على كتاب “ملوك العرب” لأمين الريحاني… رحلة الماضي والحاضر والمستقبل
سليمان بختي
صدرت الطبعة الأولى من كتاب” ملوك العرب ” عام 1923 وهذه السنة هي مئوية هذا الكتاب الفريد في نوعه والذي تناول فيه امين الريحاني 1876_.1940 حياة ملوك العرب وأحوالهم. وواصفا زياراته إليهم والتعرف إليهم عن قرب وبدقة. حتى كانه يكتب تحقيقا صحفيا حديثا وغير مسبوق.
والملوك هم: الشريف حسين بن علي، والامام يحي بن حمدالدين ملك اليمن، والسيد الإدريسي حاكم عسير ، والسلطان عبد الكريم سلطان لحج، والملك عبد العزيز آل سعود، واحمد الجابر الصباح امير الكويت، والشيخ خزعل الكعبي امير عربستان، وآل خليفة امراء البحرين، والملك فيصل الاول ملك العراق.
ولكن ما الغاية التي قصدها امين من وضعه هذا الكتاب؟
اسمعه يقول في المقدمة: “اعرف سادتي ملوك العرب بعضهم إلى بعض تعريفا يتجاوز الرسميات والسطحيات وغايتي تمهيد السبيل إلى التفاهم المؤسس على العلم والخبر اليقين”.
يأتي امين من الانتماء والتحرر الى المعرفة والصدقية. يتصدى الأمين لمهمة لا تزال الى اليوم نكابدها على الصعيد العربي وهي الوصول إلى تفاهم مؤسس على مبادئ واسس مكينة.
أدرك امين الريحاني ان لا سبيل امام العرب الا التفاهم والتعاضد لاجل التقدم وقبل أن يعرف الملوك والأمراء العرب ويسبر اغوارهم طرق باب المعرفة وتعريف الملوك والأمراء ببعضهم كي يصلوا إلى إدراك مصالحهم المشتركة.وكان الدافع الى ذلك ببساطة أن الانسان بطبعه عدو ما يجهل.
اكتشف الريحاني انهم يجهلون ايضا جغرافية البلاد العربية كما أن عامل الثقة مفقود فيما بينهم.
كان فيلسوف الفريدة حالما كبير ابوحدة عربية وبوحدة اقتصادية تجمع العرب وتشد ازرهم وتساعدهم على تكوين موقف واحد في مواجهة القوى الطامعة ببلادهم وخيراتها.لكن دون ذلك أهوال.فقد وجد امين ملوك وأمراء يحلمون كل على حدة وينافس كل منهم الاخر.
وامين الريحاني مفكر حضاري يراهن على المستقبل فهو يقدم كتابه للناشئة في كل مكان.يحلم بمؤتمر عربي يجمع الحكام العرب. لكن مسعاه لم ير النور وحلمه لم يتحقق ويشعر بأن ذلك هدف بعيد المنال.
يقول:”ان روح القبائل لا تزال ساءدة في البلاد العربية ومتغلبة في اكثر افكارها على الروح القومية” .
اذن لا امل للعرب في تحقيق الوحدة العربية الكلية.ي
ضع امين الريحاني أصبعه على الجرح النازف في الحالة العربية.ويضعنا امام السؤال الصعب: كيف نعزز القوة العربيةونقوي منعتها؟ وهل هناك سبيل غير المعرفة والوحدة ؟
وهو يذهب إلى أبعد من الوحدة السياسية وينادي بالوحدة الاقتصادية . ويقترح في المجال العملي ان يخصص كل حاكم عربي مبلغا معينا من المال مقتطعا من إيرادات الزكاة لإنشاء مشاريع اقتصادية مشتركة تخدم العرب قاطبة وتؤسس لاقتصاد عربي متوازن يستورد الكفاءات والمواد لتأسيس اقتصاد عصري فعال ومتقدم.
لكن الأمين يكتشف ايضا الجانب الآخر من الصعوبات وهو حجم العداء القائم بين امام اليمن والادريسي وخلاف الإمام في اليمن مع شريف مكة. لذلك باءت محاولاته بالفشل ولكنه لم يفقد الامل.
والكتاب هو خلاصة تجربة إنسانية حضارية بقدر ما هو خلاصة رحلة امين الريحاني في الجزيرة العربية والتي استغرقت عامين 1922 و 1924 وزار فيها المؤلف الحجاز واليمن والكويت والبحرين ونجد والعراق.
وهناك وصف أخاذ لحال المدن العربية في ذلك الزمان وأحوالها وشكل العمران فيها وحياة الناس بتفاصيلها ووسائل النقل وأنماط العيش.
وهناك الفصل المتعلق بمدينة صنعاء وجمالها العريق والاخاذ حيث يبدع امين الريحاني في الكتابة بلغة ادبية عالية وموحية واسرة.
وهو في رحلاته عين ترى وتصور في أدق الألوان وفكر ثاقب يجول في المعاني والأبعاد.
وهناك شخصية المؤرخ الذي يستفيد من عبر الماضي لاجل الحاضر والمستقبل وشخصية الرحالة المقتحم الصعاب والمجاهل بشجاعة وجرأة وصبر.
وعلى مدى صفحات الكتاب لا يتوقف الريحاني عن طرح الآراء والأفكار التي تهم العرب والمسلمين مثلما تهم غيرهم ايضا.
وفي الكتاب يتعدى الريحاني الوصف الى تسجيل وقائع التاريخ بعد خروج العرب من سيطرة الأتراك ووقوعهم تحت سيطرة المستعمر البريطاني.
ويطهر في مشاهدته ومعايناته حجم الدمار الذي خلفه التركي في بلادنا وحجم مسعى الأنظمة العربية في محاولاتها بناء الاستقلال.
وكذلك يظهر مدى اطماع الغرب الأوروبي الذي نجح في تقسيم المنطقة وفقا لمصالحه وزاد ذلك من تشرذم العرب واندلاع الحروب في ما بينهم والتي لا تزال جذوتها مشتعلة حتى اليوم.
وكان الريحاني لا يزال يعاين كثبان الرمل والصحاري والسهول والجبال ويقلب النظر فيها ولا تزال الأوضاع كما تركها قبل قرن من الزمن.
امين الريحاني في هذا الكتاب هو صوت التحرر والداعي الى نهضة العرب ووحدتهم وتقدمهم العلمي والاقتصادي والسياسي.
وعلى مستوى اخر يسعى إلى تعزيز العلاقة بين الشرق والغرب وخاصة بين العرب وأميركا.
وفي سعيه الحقيقي، يقول ميخائيل نعيمه: “كان الريحاني مناضلا عنيدا مقداما بقلمه ولسانه الى حد المغامرة. وعربي صميم ما اعماه مجد عابر من انحطاط حاضر ولا اقعده انحطاط حاضر عن العمل في سبيل مستقبل زاهر “.
واخيرا كتاب”ملوك العرب” وبعد مائة سنة يبقى مرجعا موضوعيا وتاريخيا وانثروبولوجيا واقتصاديا يوثق لمرحلة مهمة من التاريخ الحديث للجزيرة العربية، ويحلل الأوضاع بالرجوع إلى شخوص الحكام وأحوالهم ورؤاهم.