ميراي شحادة .. و “الأفاعي المقنّعة”! 

Views: 97

د. مصطفى الحلوة

ميراي شحادة ، المهندسة الأديبة الشاعرة ونائبة رئيس اتحاد الكُتّاب اللبنانيين ، ومؤسِّسة ” مُنتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة الثقافي”، ومالئة دُنيانا المعرفية وشاغلتُها في أربع جهات لبنان ، طلعت علينا صبيحة 23 حزيران 2024 (يا فتّاح .. يا رزّاق ! ) بمقال ناريّ، بعنوان: “الأفاعي المقنّعة!” .

في هذا المقال ، تُعبِّر ميراي عن صدمتها من أولئك الذين جمعها بهم الخبز والملح ، وإذا بهم يبثّونها سموم القول ، ويتآمرون عليها من وراء حجاب!

كأننا بهؤلاء، كما الأفاعي، لا يتوقّفون عن فحيحٍ وبخٍّ!

إزاء هذا الوضع المستفِزّ، لم تُطِقْ ميراي عليهم صبرًا، ولم يُعدْ جسدُها – والقولُ لها – بقادرٍ على احتمال سموم هؤلاء المتسلّقين، وروحُها  لم تعُدْ لتستوعب الضغينة والحقد والغيرة وكمية الكلام السلبي، الذي يتناولها !

وقد كان لميراي أن تتساءل، تساؤل العارف، ماذا يريدون؟ هل يريدون اقتسام ثيابي والاقتراع عليها، باسم الثقافة والأدب والشعر؟

وفي تصعيدٍ، بمواجهة هؤلاء الحاقدين، تتوجَّهُ إليهم بالقول: ” فرحي لا يعنيكم ، وحزني لا يعنيكم ، لكم طبولكم (الفارغة) ، ولي أوتاري (التي تعزُفُ أجمل الألحان)! .. لكم مسارحكم ، ولي ستائري!”

وفي موقفٍ حاسم، موقف الواثق بنفسِهِ وبقدُراته، تُتابع المواجهة: “مَنْ عرفني حقّ المعرفة ، عرف أنّ في قلمي شموسًا ساطعة ، لا تحتاج لظلال منكم. ومَنْ  عرفني حقّ المعرفة ، عرف أيضًا أنني عابرةٌ لأشياء هذا الوجود ، وأعيش ضجيجي ووحدتي بترفّع ، بين كتبي وأعمالي ، غيرَ طامعةٍ بذهبِ الدنيا البرّاق!”

وعمّا هي عازمةٌ عليه ، فقد قرّرت ، وبشكل حاسم ، عدم تدوير الزوايا وعدم اللجوء إلى الكيّ – كآخر الدواء – إذْ ليس لها سوى البتر!.

وفي الإعلان عن نفسها ، عن ما هيّتها ، فإن مُنتداها ، ” منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة الثقافي ” ، هو هويّتُها ولسانُ حالها . بل هو رسالتُها ، التي تُغنيها عن ذهب الدُنيا وعن فولكلور أدعياء الثقافة !

… تعقيبًا – وفي عودة لنا ثانية إلى “بيادر الفسابكة”، لعلّ هذا المقال الميراوي صيدٌ لنا ثمين – فإنّنا نُقارب المسألة من منظورين : منظور موضوعي واقعي عام ، ومن منظور ما يربطنا من صداقة ، نرجوها دائمة!

من المنظور الأول، نرى أن ميراي، كما سائر المبدعين والمتفوّقين والمتفرّدين، في أي حقل من الحقول، تدفع ضريبة التفوّق والشُهرة اللذين طبّقا الآفاق! .. ولسوف تدفع المزيد ، وبشكل تصاعدي، على غرار “الضريبة التصاعدية ” المعتمدة، في العديد من بلاد العالم ، على المداخيل والإنتاج ! .. وكم هو عظيمٌ نتاج ميراي “المعرفي”، الناهد إلى تصاعُدٍ وتجذُّر!

من جهتنا، وعلى تواضعنا العلمي والمعرفي، ندفعُ هذه الضريبة المُستحِقّة، راضينَ مَرْضِيِّين! وما نعلمُهُ، علم اليقين، أنّ كارهينا ، بدافع الحسد والغيرة القاتلة، هم أضعاف من يكنّون لنا الودّ والتقدير!

هذه هي الدُنيا، عزيزتي ميراي، أوَلَم يتردّد في مسامعك قول الشاعر عمر بن أبي ربيعة ، وهو يُشير إلى ما تتعرّض له إحدى معشوقاته من سهام “صديقاتها”، فكان قولُهُ فصل الخطاب!: ” وقديمًا كان في الناس الحسد!”.

.. وفي هذا المقام ، يحضُرُني من تراثنا العربي بعض أبيات شعرية ، تُجسِّدُ معاناة من يمرّون بمحنة ميراي .. فها هو عنترة بن شدّاد ، منذ ستة عشر قرنًا ، يُتحفُنا بهذا البيت الحِكْمي ، بل يُخبرنا عن أفاعي ميراي المقنّعة :

إنّ الأفاعي ، وإن لانت ملامسُها /  عند التقلُّبِ ، في أنيابها العطبُ !

 وها هو صالح بن عبد القدّوس، الزاهد المتعبّد، يُغنينا شعرًا عن مُطالعة مُسهَبَة في المسألة : 

حُلوِ اللسان ِ، وقلبُهُ يتلهَّبُ     لا خير في وُدِّ امرئ متملِّق

وإذا توارى عنك ، فهو العقربُ            يلقاك ، يحلفُ أنّه بك واثقٌ

ويروغُ منك ، كما يروغُ الثعلبُ           يُعطيك من طرفِ اللسان حلاوةً

 ومن الأقوال الشعبية المتداولة ، حيث تتمثَّل أمامنا أفاعي ميراي المقنّعة : “متل الحيَّهْ تحت التبن!”.

ورُغم أنّ بعضهم يُشيد بالأفعى ، ويحذِّر من خطر العقرب ، مُجسِّدين ذلك في القول المُشتهر : “جَنْبْ العقربْ لا تقرَبْ ، وجُنب الحيّهْ فْروشْ ونامْ !” ، فإنَّه لا يُؤْمَنْ جانبُ الأفعي ، إذْ سرعان ما تعود إلى طبيعتها في ممارسة اللدغ ، مُستندين إلى ما قالت العرب “العِرقُ دسّاس!” . ومن هُنا قول الشاعر :

فالطبعُ يغلبُها ، والعِرقُ دسّاسُ !           وحُسنُ ظنِّكَ بالأفعى مكابرةٌ

… وعليه ، أتوجَّهُ إلى العزيزة ميراي ، محذِّرًا من محضِ الأفاعي ثقة مُتجدِّدة !

أما من موقع آخر ، من موقع صداقتي لها ، فقد كنت أنصحُ لها بعدم الاستغراق في نسجِ صداقاتها ، وعدم الركون إلى غالبية مُعانقيها، المتظاهرين بمحبّتها! .. ولها ، في مواقف العناق و “مواسمه”، أن تضع نصبَ عينيها ما قاله الأديب الفرنسي جان راسين (Racine)  ، على لسان أحد أبطال مسرحياته : “J’embrasse mon rival pour l`étouffer” (أي أنني أعانق خصمي كي أخنقه !”.

وكم كانت تستفزني معانقات الأصدقاء والصديقات “الغوالي” ، وكلامهم المعسول ، وهم يُقدِّمون “أوراق اعتمادهم “، يَنشدون لديها مصلحةً خاصة!

… في إحدى المرّات ، طلبتْ إليها إحدى الصديقات “الغاليات ” – حتى إشعارٍ آخر – مساهمة مالية لإحياء نشاطٍ معيّن ، فكان أن أحرِجَتْ ووافقت على مضض ! هذا ما أخبرتني به ، وزادت مُعلِّقةً : “يبدو أنّني بحاجة إلى دورة ، أتدرّبُ فيها على الوقاحة! ” ، فلم أنبسْ ببنتِ شفة ، وبدرتْ مني ابتسامة “صامتة” عريضة ، وقد ارتسم بين ناظِريَّ القول الشعبي المأثور: “فالِجْ لا تعالِجْ ! ” .

لقد دخلت على صفحة ميراي صبيحة (23/6/2024) ، وتريّثتُ في الكتابة والتعقيب ، كي يُتاح لي الإطلاع على كل الرسائل و “التعليقات” التي وردتها ، فتحصّل لي أن غالبيتها تصبُّ في نفس المصبّ ، وأبرزُ خلاصاتها :  ” الشجرة المثمرة تُرشقُ دائمًا بالحجارة ” ! .. ناهيك عن عبارات الإطراء والتشجيع والدعوة إلى “الصمود” و”عدم التصدّي”، تاركةً الكلاب في نُباحها ! . علمًا أن الشكّ يُساورني ، إذْ قد يكون في عِداد المشجّعين والمشجّعات “أفاعٍ” ، تلجأ إلى المزايدة لإبعاد الشُبهة عنهم ، ولا ينفعهم ذلك، إذْ كاد المُريب أن يقولَ: خذوني ! ” .

* من بيادر الفسابكة / قراءة نقديّة في قضيّة – الجزء الثاني .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *