سجلوا عندكم

حجر الحياة

Views: 160

د. جان توما

هَدَّهُ تعبُ الحياة. كبرَ  أولادُه وغادروا البلد بعدما صغرت طموحاتهم. باقٍ مع العمرِ هنا وقد انتفخت شرايين يديه، وزاد الشوقُ في قلبه فأتعبه. جالس تحت نبتةِ مدخلِ البيت التي ضجرت من انتظار عودةِ الذين قلوبهم هنا، وأرواحهم تروي يأسه أملًا برؤية وجوههم.

يحاولُ أن يستندَ إلى الحائطِ فلا يستقيم ظهره. أثقلته الهمومُ فما عاد يقوى على الارتفاع. أحنته تكاليفُ العيش، ومنعته الظروفُ من أن يرفعَ كتفيه في مواجهة التحدّيات. ما عادَ الظهر يحتاجُ إلى مسند، بل إلى يدِ ابن تَغْمُره، وراحتَي ابنة ترتّب له ياقةَ القميص.

وضعَ يدَهُ اليسرى على ركبتهِ اليمنى الواهنة من كثرة ما حملت، وما شالت عيناه غير ابتسامات أطفاله، وقد اشتاق إليها اليوم في غيابهم. كانت عجقتهم تملأ الدنيا، والمصطبة ومدخل البيت. تظلّلُ رأسَهُ المنهارَ ككرمة عنب، أوراقُ نبتةٍ يرى فيها شيئًا من صفحات عمره. كأنّ الأوراقَ وجوهُ أبنائه الذين مضوا، تساقطوا كورقِ الخريف الماضي، لكنّ النبتةَ أزهرت من جديد في ربيع ينتظره بأمل.

يسودُ الحجرُ اللوحةَ، لكنً الإنسانَ، على الرغمِ من أنّه يتعبُ ويشقى، يبقى الأرقى والورق الأخضر أبقى.

***

*اللوحة للفنان عمران ياسين

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *