سجلوا عندكم

رواية “أطلال رأس  بيروت” لمحمد الحجيري… تصدّع الأمكنة والأرواح والحياة

Views: 285

سليمان بختي

ينطلق محمد الحجيري في روايته “أطلال رأس بيروت”  من الرائحة والروائح  تروي معنى الأشياء بالحواس.

رائحة المقهى ورائحة صالة السينما تحضر في ذاتها كرائحة لا تشبه غيرها. وهكذا حتى تصبح رائحة ثمرة الغوافة هي رمز للرواية بأكملها.

وهل يبقى من زوال الأمكنة غير روائحها في الذاكرة تستدعي المكان واهله والزمان والحياة الافلة؟

متأرجحا بين الذاكرة “غراب الايام” والحاضر الذي يمسي اطلالا تقف الرواية لتشهد .

يقول باشلار :”ان الأمكنة هي لحظات عزلتنا الماضية  وتظل راسخة في داخلنا لاننا نرغب في ذلك “.

يستخدم الحجيري كل الأسماء الواقعية للمكان : شي اندريه وشارع بلس . كما اسماء الشخصيات مثل الياس خوري وعصام محفوظ وعلي حرب وحسن نصرالله.

يتذكر في شي اندريه ربطات العنق المقصوصة والمعلقة على حائط السكارى. 

ويروي ايضا قصة هذه الحانة وتاريخها ومن تعاقب على إدارتها ودور هاروت “الارمني الشيعي” .

وكيف غابت هذه الحانة عندما غاب الشارع عن دوره وهويته؟

رواية ملمومة من آثار حياة ماضية في  ركامها.

انها قصة سمير الهائم على وجهه في المدينة وعلى الرصيف والأمكنة الزائلة.

وتتوالى المشاهد.

كيف مشى سمير مع علي بلس في التظاهرة المنددة بإقفال مسرح بيروت في عين المريسة.

يمشي في ظلال المدينة . يمشي كأنه يحصي خساراته او يتذكر مجد الشارع الغابر.

شارع يجمع بين الحداثة والأفكار القروسطية او بين” الدعة البورجوازية وهول المتسولين الذي لا يحتمل”.

وسمير يعرف في قرارة نفسه وتناقضاتها انه طالع من قلب القبيلة ويعيش في شارع مديني  مثل قشرة عابرة. 

ولكنه يحتفط في ذاكرته بصور ومشاهد.

عصام محفوظ وقهقهاته على  طاولة المقهى ونزيه خاطر الذي يفضل طاولة في وسط المقهى وعلي حرب فيلسوف المقهى وداود الشاعر الذي يعيش في الشارع ويكتب في المقهى منذ السبعينات. 

يذكر المؤلف في السياق اسم فادي ابي اللمع  وأظنه يقصد (فادي ابي خليل) الذي ينضم إلى شغف عشاق مقاهي شارع الحمراء. 

يتذكر سمير قصة إقفال مقهى المودكا في شارع الحمراء. يقول لكثرة ما أحببنا المقهى اقفلناه.

هل يروي محمد الحجيري قصة الأمكنة الافلة والزمن الذي يطوي ورقته بصعوبة وبطء؟

وهكذا تنهمر اللحظات واليوميات والمواعيد مثل الدموع والكلمات.

كان محمد الحجيري يوثق لشارع الحمراء في رأس بيروت حين بدأت تغادره الأحلام الى أمكنة جديدة. 

  حين فقد الروح وما عادت الدنيا كما نعرفها.

كل الشخصيات في رواية “أطلال رأس بيروت”  مأزومة  وتذهب الى مصائر  محتومة. 

مصائر  تشبه اطلال المكان المتصدع  والمهدوم..

معظم ما نراه او نعيشه في الرواية لا يختلف عن الحياة  ولا عن حالة الاندثار.مقاهي المدينة . الساحات.  البيوت القرميدية. أشجار الصبار. العصافير.

يقول:”ما قبل بيروت الزائلة كانت بيروت الزائلة. بيروت العثمانية أزالت بيروت الأثرية. بيروت الفرنسية أزالت جزءا من بيروت العثمانية. الحرب أزالت كل شيء”.

برأيي بطل الرواية الحقيقي ليس سمير او ملحم او سارة او صالح البطل هو المكان وظلاله . المكان وارواحه الهائمة  وموت الأشياء.

يقرأ محمد الحجيري  قصة الحب بين سارة وسمير من خلال الوشم. وشم الجسد البض الذي راحت سارة تصفه في المرأة كانه ليس لها بل ملكا  للغواية.

بين الحب والزواج خلال أيام وأحوال الخيانة والطلاق والفضائل والرذائل. 

كيف يمكن لهذه الشخصيات ان تخرج من النفق ؟ والبلد كله نفق . والاماكن كلها تختفي بشكل دراماتيكي ومعظم ما نراه في الصور يختفي او يكاد. ساحة البرج ونهر بيروت والترامواي وسينما الريفولي وسفوح الروشة. 

وفوق كل ذلك يغيب شهود الأمكنة.  يغيب علي بلس المتشرد حامل الأكياس البلاستيكية . يموت دنقا على درج عتيق. ويموت ويضيع سمير فرصة ان يروي حكاية بيروت. يريد ان يروي لكي يهرب من الموت. هاروت يصاب بالرجفة ويموت.  

من بقي في الشارع بعد؟

الشاعر داود الأبيض (بول شاوول) وحيدا في اللامكان وبدون أي رابط له والمقاهي التي يجلس فيها .

كيف يمكن للمرء أن يكتب رواية عن ارتحال الأمكنة  والناس والعلاقات؟ كيف يتورط فيها وفي نهايتها. ويوم أراد أن يرسل لسارة نسخة من الرواية اختفى بدوره. هل سافر؟ 

كل ما نعرفه انه ترك رواية قال عنها إنها رواية ولم تكن سوى ورقة بيضاء.

رواية احتشدت فيها المصائر  والأمكنة والأفكار والأرواح والأحلام والكلمات ثم تناثرت جميعا مثل ورقة بيضاء في مهب الريح والحرب ونفاد الاحوال.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *