“ميكانيكا الفكر” دراسة الفكر علمياً
حسن عجمي
ميكانيكا الفكر عبارة عن دراسة الأفكار علمياً من خلال اكتشاف قوانين الفكر العلمية التي تحكم صفات الأفكار وارتباطها. تهدف ميكانيكا الأفكار إلى صياغة القوانين العلمية التي على ضوئها يتمّ بناء الأفكار والتي تسمح بقياس قوة الأفكار وترابط صفاتها. من هنا، تكمن أهمية ميكانيكا الفكر في تأسيس منهج علمي ناجح في تفسير الأدوار المتعدّدة للفكرة نفسها كدورها الاستنتاجي مما يؤدي إلى فهم شمولي لتصرّف الأفكار وفاعليتها. ميكانيكا الفكرة آلية فهم الفكرة وأبعادها المتنوّعة والمختلفة.
بالنسبة إلى ميكانيكا الفكر، من الممكن اكتشاف القوانين العلمية المتحكمة بقوة الفكرة وفاعليتها وانتشارها. من هذا المنظور، أحد قوانين الفكر هو القانون الأساسي التالي: قوة الفكرة = كثافة الفكرة × تسارع الفكرة. هذا يعني أنَّ قوة الفكرة تساوي كثافتها مضروبة رياضياً بتسارعها. تتكوّن كثافة الفكرة من القدرة الاستنتاجية التي تمتلكها الفكرة. أما القدرة الاستنتاجية للفكرة فهي مقدار ما تحتوي الفكرة من استنتاجات حتمية واحتمالية وممكنة. فكلما احتوت الفكرة على استنتاجات أكثر ازدادت كثافة الفكرة فقوتها. أما الفكرة التي لا تؤدي إلى استنتاجات فهي فكرة ضعيفة لا تثير أي استنتاج مغاير أو جديد مما يدلّ على ضعفها. لكن الفكرة القوية فكرة تستدعي استنتاجات عديدة ومختلفة مما يشير إلى قوتها الاستنتاجية ونجاحها في إثارة التفكير. بلا كثافة الفكرة الكامنة في القدرة الاستنتاجية تضعف الفكرة فالأفكار الخالية من استدعاء الاستنتاج أفكار ضعيفة بِضعف فعاليتها. لذلك قوة الفكرة كامنة في كثافتها أي مقدار ما تستدعي من استنتاجات.
فكرة الجاذبية
مثل ذلك فكرة الجاذبية فهي فكرة قوية من جراء كثافتها. وهي فكرة كثيفة لكونها استدعت استنتاجات متعدّدة منها أنَّ كل الأجسام محكومة بالجاذبية وبذلك كل الأجسام تجذب بعضها البعض مما يسمح مثلاً بوجود كواكب متعدّدة تحافظ على فرادتها ووجودها من دون أن تتساقط على بعضها بفضل التجاذب المتبادل فيما بينها. هكذا الكون يحقق التوازن من خلال الجاذبية فيسمح بنشوء الظواهر الكونية وتنوّعها كوجود الكواكب والأقمار. ولفكرة الجاذبية تسارع عالٍ يزيد من قوتها ويتمثل هذا التسارع في سرعة حضور فكرة الجاذبية في الذهن متى أدرك العقل أو البصر تصرفات الأجسام المختلفة المحكومة بالجاذبية. وتسارع فكرة الجاذبية يكمن أيضاً في سرعة الاستنتاج التي تحتويها هذه الفكرة. فمتى حضرت فكرة الجاذبية تسارعت قدرة الاستنتاج التي تؤدي إلى استنتاج لماذا تتصرّف هذه الأجسام أو تلك كما تفعل من جراء محكوميتها بالجاذبية عينها. من هذا المنطلق، تسارع الفكرة، كعنصر أساسي في بناء قوة الفكرة، يكمن في سرعة حضورها في الذهن وسرعة اعتمادها في بناء استنتاجات متعدّدة.
“جئتُ بعد مرور الزمن”
بالإضافة إلى القانون السابق، من الممكن صياغة قوانين أخرى منها القانون التالي: لا مُحدَّدية الفكرة = القوة التفسيرية للفكرة × القوة التأويلية للفكرة نفسها. هذا يعني أنَّ لا مُحدَّدية الفكرة تساوي قوتها التفسيرية مضروبة رياضياً بقوتها التأويلية. إذا ازدادت لا مُحدَّدية الفكرة (أي لا مُحدَّدية مضمونها) إزدادت تفاسيرها وتأويلاتها. لذلك لا مُحدَّدية الفكرة تساوي قوتها التفسيرية مضروبة رياضياً بقوتها التأويلية. فالقوة التفسيرية هي مقدار التفاسير التي من الممكن إنتاجها حيال الفكرة نفسها بينما القوة التأويلية فهي مقدار التآويل التي من الممكن بنائها حيال الفكرة ذاتها. مثل على لا مُحدَّدية الفكرة قول الشاعر نزار قباني “جئتُ بعد مرور الزمن”. فمن غير المُحدَّد مثلاً إن كان هذا القول الشِّعري يدلّ على أنَّ الشاعر يحيا بلا زمن أو أنه يموت باستمرار في اللازمن. هكذا القول الشِّعري السابق يستدعي تفاسير وتآويل متعدّدة مما يؤكِّد على لا مُحدَّدية معانيه ومقاصده فيزيد من قوته الدلالية وجماليته.
قوانين علمية
القوانين التي تهدف ميكانيكا الفكر إلى اكتشافها هي قوانين علمية لأنها قابلة للاختبار. مثلاً، القانون القائل بأنَّ قوة الفكرة تساوي كثافتها الكامنة في قدرتها الاستنتاجية مضروبة رياضياً بتسارعها هو قانون علمي لأنه قابل للاختبار. فإذا وُجِدت فكرة قوية لكنها لا تستدعي سرعة حضورها ولا تستدعي استنتاجات عديدة ومتنوّعة فحينئذٍ القانون السابق خاطىء. وبذلك من الممكن اختبار القانون السابق مما يدلّ على علميته. كما أنَّ القانون القائل بأنَّ لا مُحدَّدية الفكرة تساوي قوتها التفسيرية مضروبة رياضياً بقوتها التأويلية هو أيضاً قانون علمي بفضل إمكانية اختباره. فإن وُجِدت فكرة لا مُحدَّدة المضامين ولكنها تفتقر إلى استدعاء تفاسير وتآويل متعدّدة فعندئذٍ القانون السابق خاطىء. وبذلك القانون السابق قابل للاختبار. ولذا هو قانون علمي.