سجلوا عندكم

الأوكتاﭪ الثاني: (القريبان)

Views: 92

أحمد الأخرس

(نايا)، ويَنفَرِطُ الخريفُ على أصابعها كصَبري

“لا تَطرقي قَمَري!” أقول لها.. فَتَكسِرُ ما بِصَدري

وَتقولُ لي: “أَفلِتْ جُموحَكَ / هَيتَها أَسرابُ خَصري!”

وَتموجُ بينَ بَناتِ آوى وَالأيايلِ ظِلَّ نَهرِ

..

هذا الحلولُ يشدُّ سهمَ تَجَسُّدي في قوسِ زَيفي

(نايا) تُعَربِشُ في عروقِ الأزكدينيا وَشمَ صيفِ

“لا تتركي أثرَ الشفاهِ” أئِنُّ // تَهمِسُ: “أنتَ ضَيفي”

وتضيءُ في ياقوتِ حنجرتي لأخلعَ ثوبَ طَيفي

..

غنجاً بحقِّ اللهِ، لا تتسلَّقي عوجاً سوايا!

شيطانُ طينيَ لم يَرِثْ ماءَ الألوهَةِ والوصايا

يَتَشَمَّسُ التُّفّاحُ في عُنُقي، فَتَقضِمُهُ النّوايا

خمراً حريريَّ التأوُّهِ لو يُعَتِّقُهُ نِدايا!

..

من عُلِّمَتْ أسماءَها الحُسنى لتَمتَحِنَ الملائكْ

ثُمَّ استَوَتْ في الشهوةِ الأولى على خَدَرِ الأرائِكْ:

لو كانَ بي وثنٌ شهيُّ الكُفرِ، هَلْ سَأُرى بِمائِكْ؟

لا تَفْطِمي ياءَ النداءِ، بَلِ انْجِبي أَلِفاً لِيائِكْ!

..

لا توتَ نَخصِفُهُ لذنبِ وجودِنا.. فتَوَحَّديني

صُبّي شموعَ يديكِ في الطينِ القديمِ وَصَلصِليني

وتَهَشَّمي في دفقَةِ المَزجِ الخَفِيِّ وَهَشِّميني

فالروحُ: ما ضاقَ الإناءُ به وفاضَ من الوَتينِ

..

بي لَوثَةُ البارودِ في نَفَسِ الجيادِ إذا تَخِرُّ

تَعَبٌ ضروريٌّ.. وحزنٌ شاعِرٌ.. وَيَدٌ تَمُرُّ..

هذا التَّعَلُّقُ في تلابيبِ الشفاهِ، ولا مَفَرُّ

تتلاقَحُ الأنفاسُ خَدْرَتَها لأنَّ الريقَ سِرُّ!

..

لغةٌ مِنَ النَّمَشِ الطَّرِيِّ تسيلُ في الخصرِ النحيلِ

وتفورُ حَنّاءً على (الدّانْتيلِ) كالوردِ القَتيلِ

مِشكاةُ سُرَّتِها تُقَنْدِلُ حُلكَةَ اللَّيلِ البَخيلِ

لأراكَ يا اَللهُ حيثُ نَزَلتَ في سَهْلِ (الجليلِ)!

..

وأراكَ يا اَللهُ في قَلَقِ الزنابِقِ وَهْيَ تَمشي

كَمَسيحِكَ الحافي على قَمَرِ الضِّفافِ بدونِ خَدْشِ

وأراكَ في مَلَكوتِ عينيها استَوَيْتَ بدونِ عَرْشِ

فَاطْوِ السَّما والأرضَ طَيَّ سِجِلِّها.. رِمشاً بِرِمشِ!

..

وكما بدأتَ الخلقَ، هل سَتُعيدُهُ فأعودُ رملا؟

أم أنَّ (جِينَ) تَجَرُّدي منّي سيُبْعَثُ فِيَّ طِفلا؟

لم يحتملِ ثِقَلَ اسمَ عائلتي ولا اسْميَ مُذْ تَخَلّى

فيكونُ ليسَ كَمِثلِهِ أحدٌ ولستَ تراهُ (مِثلا)

..

“(نايا)” وأصرُخُ في الفراغِ الرَّخوِ.. في خَرَزِ البلادِ

في وجهِ أمّي.. في ازْرِقاقِ الموتِ.. في الوَتَرِ الأُحادي

في كُلِّ شيءٍ كانَ يُشْبِهُني..

صرختُ:

“أنا التَّمادي

لا شيءَ يُشْبِهُني

سوى سَفَري، وَمِنْفَضَةِ الرّمادِ..”

***

 

الأوكتاﭪ الثالث: (البعيدان)

 

هاتي يديكِ، يدايَ ترتجفانِ من ثِقَلِ الحياةْ

لا شيء أحمله معي مني سوى وجعِ الحُفاةْ

هذا الطريق أضاعَني، وأضعتُ فيه دَمَ الغُواةْ

ضمّي عظامي واتبعي لغتي لتتلوَني الشفاهْ

..

يا أبعدَ الناياتِ عن قَصَبي، أنوحُ ولا أنوحْ

لم يَجرِ في جسدي الهواء، فكيفَ تَثقُبُني الجروحْ!

أَأَضِلُّ إن رَتَقَ المقامُ (بياتَهُ): (كُرداً) وروحْ؟!

لم أدرِ أنْ ما بينَنا، ما بينَ (نوحٍ) و(ابنِ نوحْ)…!

..

هذا النحيبُ مسافةٌ تبكي رجوعَكِ موجَتَينْ

ومقابرُ الغرقى تقيسُ البعدَ عنكِ بِغَمرَتَينْ

فَإِنِ استفاضَ الشوقُ، مُدّي الصبرَ لي بضفيرَتَينْ

علّي أُبَوْصِلُ غربتي بغبار نجمكِ دونَ (أينْ)..

..

قد تزحفُ الأجيالُ تحتَ جلودِ آبائي إِلَيّْ

وتضلُّ من بعدي إلى النسيانِ، أو تُروى عَلَيّْ

وأنا أسافرُ في رياحِ تَشَرُّدي كَدَمٍ جَلِيّ

أُنسى، كما تُنسى نِطافُ الحزنِ في ظَهرِ النَبِيّْ

..

(نايا)، سأُنسى.. فاذكريني في سرير الأنبياءْ

من لقَّطوا توتَ العيونِ وجففوهُ من البكاءْ

من علموا خشبَ العروشِ ركوعَهُ بصلاةِ ماءْ

(نايا)، اسجدي للحبِّ واقتربي، لتقتربَ السماءْ

..

الغيمُ علَّمَني الكثير، كأنْ أسيرَ مع الرياحْ

قلقاً على قلقٍ، ومثلِيَ يشتهيهِ الانزياحْ

والغيبُ علَّمَني القليلَ، كأنْ أبوحَ لأُستَباحْ

أثراً على أثرٍ، كنَفثِ الملحِ في أثرِ الجراحْ

..

 (بالعامِّيَّة)

.. واللي انحكى من شي دقيقة ونص، كأّنو ما انحكى!

لا تسألي… لساني انفرط منو الحكي المابينحكى

ضبي الشناتي، وافردي بحضني الضحك لو ما انبكى

ما عاد يحملني السفر أكتر.. لألله المشتكى

..

 (بالعامِّيَّة)

خبي معي تْميمِةْ صلاة وضمِّة ت ينكسر الغيابْ

أو تنكسر في صدورنا الأسرار من تلج العتابْ

وتذكري بس تشربي شاي الشفايف هالعذابْ

إنو يا (نايا) ما بِرِد ريقي تا يسقيني السرابْ

..

متوحدٌ بكِ، كالفراشةِ حولَ قنديلِ الخيالْ

هيَ لا تطوفُ بضوئِهِ العاجيِّ من باب الدلالْ

وهوَ الـ يَخافُ على جناحَيها من اللهبِ الحلالْ

متوحدانِ بقُبلةِ النيرانِ في جسدِ الظِّلالْ

..

عَمّانُ يا (نايا) ستغفرُ بالرحيلِ القاتلِ

وبقسوةِ الدنيا غداً أُرمى لشوكٍ ذابلِ

أو للسؤال: هلِ (الأماكنُ كلها تشتاقُ لي)؟!*

(لا الشوقُ يسكنُ باللّقا) أو بالجنونِ العاقلِ..!**

..

هذا الجنونُ يعيدُ ترتيب البلادِ بأسرها

كقصيدةِ النثرِ التي نُسِيَتْ بكاملِ شِعرها

وكذا البلادُ تشدُّ زُنّارَ الحنينِ بخصرِها:

(لا بحرَ لي) تحكي، وتلقي للغريبِ بصدرِها

..

سأمرُّ بِاسْمَينا على بَتَلاتِ زهرِ الياسمينْ

ليَشُمَّنا؛ ويَبُثَّ عطرَ عناقِنا للعابرينْ

ولربَّما اخترناهُ أوَّلَ منزلٍ للعاشقينْ…

وطناً أصيلاً لا بديلَ له،، يُحِبُّ الآفِلينْ!

..

في سهلِ (حورانَ) اخرجي في الليلِ عاريةَ القَصَبْ

أَلقي لتلكَ الريحِ شالَكِ، واشربي خَدَرَ العِنَبْ

وتفتَّقي كالفستقِ الحَلَبِيِّ من صُرَرِ الذَّهبْ

غمازةً في الوجنةِ اليمنى تُنَسّيني التَّعبْ

..

العشقُ يا (نايا): فناءُ الذاتِ في ذاتِ الذَّواتْ

وهُوَ الحلولُ المستحيلُ بها لِتَتَّحِدَ الصِّفاتْ

من علَّقوا أرواحَهم باللهِ ما أَلِفوا الجِهاتْ

في وَمضَةِ العِرفانِ إذ نَفَضوا السُّؤالَ عَنِ اللُّغاتْ

..

في (غُرفةِ العرشِ) اسْتَرَقنا الوَردَ مِن شَفَةِ النَّدى***

(نايا)، احملي البلدَ الأمينَ معي لنورِثَهُ الغَدا

وتذكَّري أنّي جُبِلْتُ من الحنينِ لِأُسْهَدا

آنَ الأوانُ لتقرأي اسْمِيَ في جَبينكِ: (أحمدا)…

***

* “الأماكن كلها مشتاقة لك” – محمد عبده (مطرب)

** “كل شوقٍ يسكن باللقاء لا يعول عليه” – ابن عربي

*** غرفة العرش: مكانٌ في عمّان لا يعرفه أهلها، يتوقف فيه الزمان ولا يتحرك من جديد.

***

*شاعر أردني من أعماله الشعرية:  

“شجر الملامح”، ديوان شعر – عن دائرة الثقافة في حكومة الشارقة، يناير 2017م.

“دو ري مي”، ديوان شعر – عن دار الآن ناشرون وموزعون، عمّان، الأردن، يناير 2020م.
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *