الانتفاضة الفردية للنهوض بالواقع العربي
مروة جعفر- العراق
يسهل الحديث عن الحرية والاستقلال ولكن من الصعب ممارستهما وتجسيدهما في ارض الواقع، وخاصة أن هناك مشكلة جسيمة تحد من النهوض في الواقع العربي، الا وهي سياسة القطيع التي يعيش بها، في حين يدّعي كل فرد بفصل نفسه عن هذه السياسة، غير معترف في قرارة نفسه، بل وحتى من خلال صفحاته الشخصية في منصات التواصل الاجتماعي، تجد الكثير ممن يتكلم بانفصاله عن المشاركات غير المحسوبة والانخراط في التبعية، ولكن، وللأسف، تجد أغلبية هؤلاء يمارسون واقعا مخالفا تماما لآرائهم الشخصية؛ إذ أن هذه العملية غريزية في الأساس، حيث يشعر الإنسان بمنطقية الانتماء إلى المجموعة والتكاتف معها حتى وإن كانت على خطأ، هذا تكنيك متجذر في النفس البشرية من أجل الحماية، انطلاقًا من مبدأين: القوة في الجماعة، والبقاء للأقوىٰ، والداعي الآخر والأقوىٰ هو الخوف من النبذ الاجتماعي.
إن كل أمر جديد ومغاير يتعرّض للهجوم (هجوم قد يطول أو يقصر) من مجتمعه، حتىٰ وان كان على خير وحق، وقد أشار الكاتب اللبناني امين معلوف إلى ذلك في قوله:”لا شيء، إنهم لا يعلمون شيئاً، ولا يريدون أن يعلموا شيئاً، أترى هؤلاء الجهلة، إنهم يهيمنون على العالم وإن لم تكن منهم دعوك كافراً”. وهذا ما يجعل الانسلاخ عن الجماعة العرقية بالدرجة الأولى أمراً صعبا، ان لم يكن مستحيلاً لدىٰ الكثيرين.
في مقال سابق، تحت عنوان “اطفال تحت نيران المحاصصة السياسية”، تحدثنا عن تأثير السياسية في تقسيم المجتمع… وفي هذا المقال نبيّن تمادي القسم الأول، أي صُنّاع الحروب”، في استهلاك المجتمع العربي، حيث لم يعد السوق كافيًا لتصريف البضائع، بل صار الأفراد ذاتهم مستهدفين كدروع بشرية ووقود لإشعال فتيل الحرب من أجل تنفيذ أغراض سياسية واطماع مادية بحتة، وتجريب الأسلحة وتصريفها من أجل “البقاء للأقوى” على نطاق واسع وتغيير الخريطة الدولية بما يخدم المصالح الاقتصادية، فهنا يخرج الإنسان من نطاق مجتمعه المحدود إلى مجتمع دولي أشد وطأة من خلال انعكاس الغريزة الحيوانية الشرسة المتجذرة في نفسه (الإنسان) والتي طفت على سطح سلوكه العدواني وبشاعة أساليب وطرق القمع التي تمارسها جماعة على الأخرىٰ من أجل الدفاع عن حجج ضعيفة، كلها تصبّ في بيئات تكوين مجتمع “الكهوف.
هنا لا بد من التساؤل: هل عصر التطور الذي نوهم أنفسنا بالعيش فيه هو خدعة أخرى من قبل أصحاب رؤوس الأموال من أجل السيطرة على مجتمع مستهلك والاستحواذ عليه ؟!، وهل ما زال الإنسان بحاجة إلى تدجين نفسه من أجل الانسلاخ من مجتمع الغابة؟!…
في ظل كل ما سبق ذكره نود اليوم أن نضع النقاط على الحروف في كيفية بلورة الشخصيات النخبوية المستقلة وخلع رداء الجماعة عنها من أجل النهوض بالواقع الإنساني. هذهِ اول نقطة يجب الإنتباه إليها. بالمقابل، فإن أول خطوة تنزلق بنا إلى الهاوية هي محاولة تكوين مجموعة باسم الاستقلالية، إذ عند الانسلاخ من المجموعة التبعية فإنك هنا تؤسس لخطأ آخر على غرار الأول.
ثانياً الوعي للقضية ذاتها والتجرّد من التبعية الرمزية للشخوص المتبنية للنزاع علىٰ القضية، فقد سبق أن رأينا مئات بل آلاف الأشخاص يذهبون هباءً من أجل شخصية عامة تتظاهر بتأييد قضاياهم، ولهذا، ما تفرضه الأغلبية الساحقة في الاعتراف بالتبعية وتبجيلها: “أنا لست منهم وهو منهم جداً” من دون أن يشعر بسبب أساليب التخدير الفكري التي تمارس عليه من خلال رداء التقديس التي يتوشّح بها ممثلو الشخصيات العامة، الذين يجعلون من يختلف معهم يشعر بالدونية والذنب.
ثالثاً تشكيل الوعي الاجتماعي، هو المدخل لتكوين وعي سياسي، وذلك من خلال الكثير من الملاحظات والتأمل والشعور بالمسؤولية إزاء تكوين الفرد ذاته ومن ثم الخوض في غمار التجربة وتعلّم استخلاص النتائج التي ترتقي بصرح الإنسانية والسلام أولاً وأخيرا.
رابعاً الأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر المخالفة لوجهة نظرك من خلال الفهم والتصحيح والاتسام بالمرونة في النقاشات العامة للخروج بقناعات شاملة وواعية ودقيقة .
خامساً الانتباه من التعرض لوسائل الإعلام المختلفة وللتجييش الالكتروني من خلال أساليب تتناغم مع نوازع نفس المتلقي لاستقطابه وتأييده.. لذا يجب فهمها ومعرفة كيفية الاستفادة منها ومحاولة دراسة الرؤى الصحيحة للثقافة واستيعابها، ومحاولة الدخول في علاقات واعية مع ثقافات الآخرين من أجل الوقوف ضد الثقافات الغازية.