قراءة في “رؤية يوسف الخازن للدولة اليهوديّة: دراسة تحليليّة” لغسان الخازن
محمود شريح
د. غسّان الخازن في جديده رؤية يوسف الخازن للدولة اليهوديّة: دراسة تحليليّة (في 140 صفحة من القطع الوسط، دار نلسن، بيروت، 2025) يضيء على كتيّب الشيخ يوسف الخازن الصادر عام 1919 إبّان ذروة الصراع البريطاني/الفرنسي على بلاد الشام، وكان ردّةَ فعل على مؤتمر السلام المنعقد آنذاك في باريس الذي “رأى لتقرير مصير فلسطين، الإستماع إلى الصهاينة، ممّن لا ناقة لهم ولا جمل” في تلك البلاد “بدل الإصغاء إلى ممثّلي فلسطين المعتمدين”، فرأى د. غسّان الخازن أن هذا الكتيّب من بواكير الأدبيّات اللبنانية حول الصهيونيّة، فحين انصبّ اهتمام معظم مثقّفي متصرفية جبل لبنان على المطالبة بتوسيع مساحته بضمّ السهول المحاذية له، وتعميق استقلاليته عن الدولة العثمانيّة، انصرف الشيخ يوسف الخازن إلى تفنيد المزاعم الصهيونية في فلسطين بأسلوب واضح ومختصر وجانح إلى السخرية على عادة الخازنيّين في ظرف أدبهم ليعدّ مداخلة له في مجلس النوّاب لا تتعدّى دقائق معدودات هي متن الكتيّب، ليركّز فيها على مناقشة الفكرة الصهيونية، تاريخاً وعقيدة، فلم يخامره شكّ في أن الحركة الصهيونية تسعى إلى إنشاء دولة يهوديّة في فلسطين، ذلك أن الشيخ الخازني عمد بطبعه الصحافي الذي تمرّس فيه وبحنكته السياسيّة إلى أن يجرّد الدعوة الصهيونيّة من ادعاءاتها الباطلة في منهجيّة تتّسم بالحداثة والمنطق وتنأى عن الغوص في مفهوم الوعد التوراتي.
أصدر الشيخ يوسف الخازن كتيّبه هذا بالفرنسيّة محاضرة ألقاها في باريس بعنوان L’ Ĕtat juif en Palestine – Opinion d’un indigena (الدولة اليهودية في فلسطين – وجهة نظر أحد أبناء البلاد) فجاء عنوانه جامعاً مانعاً وإن ظهرت فيه روحه الساخرة إذ أطلقَ على نفسه صفة indigéne بما تحمله هذه المفردة الفرنسية عند المستعمِر الفرنسي من تحقير وتهميش لأبناء البلاد المستعمَرة، ما يدلُّ على أن الشيخ كان أُستاذاً لا يُجارى في اختيار العناوين الساخرة لمقالاته، سيّما منها “حديث كلاب” لما سطّره من أدبيّات ضد المندوب الفرنسي حاكم لبنان الكبير. ثمّ انّه لشدّة بغضه للدولة المنتدبة التحق بسياسة موسوليني في روما بدءاً من العام 1938 وكانت له أحاديث تُبثُّ من “راديو باري” الموجّه بالعربية إلى المشرق العربي حذّر فيها العرب من انتصار العالم الأنكلو – ساكسوني الذي نكبهم في الحرب الأُولى بوعد بلفور والذي سوف ينكبهم ثانية في حال انتصاره بالحرب الثانية بداهية أشدّ وأعظم، فكان نبوئياً في تصوّره، هو الذي شكّكَ في جدوى قيام دولة يهودية في المطلق وتبنّى وصف إرنست رينان لهذه الدولة على أنها دولة معادية للطبيعة.
صرفَ الشيخ يوسف الخازن حياته وفيّاً لحريّة القلم فكان جريئاً مقداماً في نقده وسيّداً في الظرف وسياسيّاً لا يرضخ وأضحى بأدبه الساخر أكثر أعضاء الندوة اللبنانية تألّقاً، هو الذي حُكم غيابياً بمرسوم من الديوان العُرفي في عاليه أثناء الحرب الأُولى فارتحل إلى باريس، وهو الذي انطلق إلى روما حين اجتاح الحلفاء لبنان، وفيها توفى عام 1944 ونُقل رفاته إلى مسقطه عام 1962 ودُفن في قبر خاص في عجلتون، وها هو اليوم يعيده إلينا د. غسّان الخازن بكامل أناقته وصواب رؤيته عن الصراع الدائر حاليّاً كما عبّر عنه الشيخ الخازني منذ قرن ونيّف.