سجلوا عندكم

قراءة في “الفلسفة الرواقية من زينون إلى سعاده” لإدمون ملحم

Views: 380

محمود شريح

د. إدمون ملحم، في جديده الفلسفة الرواقية من زينون إلى سعاده الصادر عن دار أبعاد للطباعة والنشر في بيروت (240 صفحة من القطع الوسط، مع مراجع وفهرس) يضيءُ من مهجره الأُسترالي على الفلسفة الرواقية التي شاد أعمدتَها الفيلسوف الفينيقي زينون في القرن الثالث قبل الميلاد، وجدّد دعوتها في النصف الأوّل من القرن العشرين أنطون سعاده إذ اعتبرَ أنّ زينون أحدثَ ثورة فكرية ذات أثر بليغ في تحرير الفرد من التقليد وحفزه على اتّخاذ العقل شرعاً أعلى في سبيل الوصول إلى الخير ومطالب الرّقي. 

في كتابه هنا يقدّم د. ملحم فلسفة زينون على انها وليدة الثقافة السوريّة، ومن هنا إلتفات مؤسِّس الحزب السوري القومي إلى فلسفة زينون الرواقية، كون الرواقية فلسفة أخلاقية تربويّة تُولي الخير والفضيلة والواجب مقاماً أساسياً في الوصول إلى السعادة الناهضة على ضبط النفس والاكتفاء بالذات وتغليب العقل على الأهواء، فتكون الفضيلة تالياً نتاج الإرادة الواعية. وإذا كانت الأخلاق جوهر الفلسفة الرواقية التي بشّر بها زينون في رواقِهِ الآثيني، فإن عقيدة سعاده جاءت عقيدة مناقبية تشدّد على القِيم الروحية والمناقب التي تضمنُ رُقي الأُمّة السورية، إذ أدرك سعاده أنّ كلّ نظام بحاجة إلى الأخلاق، فرأى أن الأخلاق هي جوهر العقيدة القومية الاجتماعية. 

الرواقيون هم تلاميذ زينون الفيلسوف لأنه كان يعلّمهم في رواق، أي مقدّم البيت، أمّا سعاده فحاضر في محازبيه، في ندوته الثقافية في الثلاثينات، قبل مغتربه القسري، ثم في تجديده الندوة الثقافية إثر عودته من الأرجنتين، فألحّ في محاضراته العشر التي ألقاها عام 1948 على الطلبة الجامعيين في أميركية بيروت، على الإلتزام بالمسلكية الأخلاقية والتمرّس بالقيم والمناقب لما فيه الخير والفضيلة، داعياً إلى المساواة بين أفراد الأُمّة بإزالة الفوارق بين فئاتها، ففي المبدأ الأساسي الأول من مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي القائل “سورية للسوريّين والسوريّون أُمّة تامّة” يجسّد فكرة المساواة بين أبناء الأُمّة، إذ اعتبر سعاده أن الوطن السوري ملك جميع السوريين. 

يشير د. ملحم إلى أن فلسفة زينون قدّست مبدأ الواجب باعتباره وجودياً أخلاقياً، وكان سعاده شدّد على مبدأ الواجب الأخلاقي واعتبره قيمةً عُليا في بناء الدولة القومية الاجتماعية، كما في خطابه المنهاجي الأول (1/6/1935)، إضافة إلى مبادىء الحرية والنظام والقوة، وكان سعاده في خطابه في اللاذقية بتاريخ 26/11/1948 وقبل إعلان ثورته الاجتماعية الأولى بفارق سبعة أشهر أعلن “نحن لم نتلكّأ عن واجب لأن الواجب مبدأ أساسي من مبادئنا الأخلاقية”.

ومن هذا المنطلق شدّد سعاده على مبدأ الإرادة المستقلّة الحرّة، وكما آمن زينون بأنّ “الفكر هو جوهر الطبيعة وميزة الإنسان”، اعتبر سعاده “أن العقل في الإنسان هو نفسه الشرع الأعلى”. 

في تقديمه إلى الفلسفة الرواقية من زينون إلى سعاده يرى د. على حميّة أن مساهمة د. ملحم في هذا الحقل المعرفي متميّزة من حيث انصافها الفكر السوري وتأثيره العمراني في بلاد الشام. 

زينون المتحدِّر من مدينة صُوْر الكنعانية الراحل إلى آثينا الآخذ من فلسفة سقراط مبدأ الفضيلة، جدّد دعوته سعاده وأرساها في صلب عقيدته، ومن هنا أهمية جديد د. ملحم في سرده السيرة الفكرية لهذين النابغتين. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *