سجلوا عندكم

“دموع المجدليّة” ديوان جديد لمحمود عثمان عن “دار نلسن”

Views: 76

صدر عن دار نلسن في بيروت ديوان   “دموع المجدليّة”    للدكتور محمود عثمان. من الكتاب نقتطف:

 

إعتراف صغير

نظمتُ هذه القصائد وأنا أقرأ رواية “الإغواء الأخير للمسيح”لنيكوس كازنتزاكيس خلال الأسابيع الأولى من عام 2019. فإلى العزيز نيكوس عميق الشكر والامتنان لأنه لمس في باطني مواطن الإلهام وفجّرها. وليس بالضرورة أن تمتّ هذه القصائد إلى الحقيقة التاريخية بصلة.

وأشيرُ أخيرًاإلى أني من المعجبين جدًّا بشخصية المسيح كإنسان كامل عند البعض وكإله عند البعض الآخر.

والمسيح الذي أحببته، هو في نظري شاعر قبل كل شيء.

إضاءة

ينطلق الكاتب اليوناني المميَّز نيكوس كازانتزاكيس في روايته “الإغواء الأخير للمسيح” من معطيات ثقافية وتاريخية تخرج عن مسار الرواية الرسمية الواردة في الإنجيل. ويشحذ نيكوس هذه التصورات بخيال واسع وأسلوب رشيق ساحر لا يخلو من الرمز والعجائبية الساحرة. حسبك خلقه شخصية الشيطان في هيئة الملاك الحارس للمسيح. ولعلّأبرز الملاحظات التي يمكن أن نبديها في هذا الصدد هي الآتية:

– لا يعتبر نيكوس يهوذا خائنًا للمسيح. بل إنَّ عملية تسليمه تمَّت بالاتفاق بينهما. وقد تمَّ اختيار يهوذا لأنَّه الأقوى شكيمة بين التلاميذ. وهذا مجافٍ للرواية الرسمية التي تعتبر يهوذا مرتشيًا بثلاثين من الفضة أو هو ضحية الشيطان.

يُظهر الكاتب يهوذا حاملاً الخنجر دائمًا على خصره وهو عنيد وثائر. وفي ذلك إشارة إلى حركة الزيلوت،أي الغيورين،التي ينتمي إليها يهوذا وباراباس. وهم ملقبون بأصحاب الخناجر. ويؤلفون خلية ثورية هدفها مقاومة للاحتلال الروماني.

وقد صوَّر الكاتب التعارض بين المسيح ويهوذا في الرؤية، فالمسيح يعتبر كل الناس إخوة. ويهوذا لا يعترف بأخوَّة الرومان المحتلين.

والمسيح يدعو إلى مملكة السماء وأما يهوذا فهو يريد المسيح ملكًا لليهود بعد أن يطرد الرومان من بلاده.

يعتبر كازانتزاكيس أنَّ المجدليّة تحبّ السيّد المسيح إلا أنه وهو الذي حمل الوردة إليها لم يتمكن من مبادلتها الحب كما ترغب،لأنَّ العناية الإلهية اختارته لدور آخر. وهو يعيش، حسب الكاتب، وعلى لسان المجدليّة نفسها حالة الصراع بين توقه إليها وإخلاصه لرسالته. بل هو يعتبر نفسه مذنبًا بسبب انجرافها إلى الرذيلة كردة فعل أو انتقام لحبها المطعون.

يصوّر الكاتب تلاميذ المسيح مجموعة من الانتهازيّين أو السطحيّين الذين لم يفهموا مقاصد المسيح خاصة في بداية المسيرة. إذ حسبوا أنَّ مملكة المسيح هي مملكة أرضية دنيوية وليست مملكة روحية، فيعقوب وأخوه يوحنا كانا يحلمان بالجلوس إلى جانب المسيح على العرش عن يمينه ويساره.وهذا ما كانت ترجوه امرأة زبدي. وكذلك الأمر مع ولدي يونان أندراوس وبطرس،صيادي السمك اللذين وعدا نفسيهما بخير أكبر. وفيلبّس الراعي الذي ترك نعجته من أجل منفعة أكبر،وهكذا أقنع صديقه نثائيل السكّاف. كما أنَّ توما التاجر الماكر كان يطمع في ربح وفير أكثر مما تدرّ عليه تجارته. وحده يهوذا بدا صاحب عقيدة صلبة لا تتزعزع كواحد من الزيلوت.

في ختام الرواية،يترك الكاتب القارئ في عالم سحري أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. إذ  يصوّرالمسيح وقد عاد من الصلب ليعيش كواحد من البشر مسرّاته الأرضية، فيتزوّج وينجب ويأكل ويشرب،بتوجيه ملاكه الحارس ورعايته.

بكل حال، يكتب نيكوس كازانتزاكيس بحرّية تامة غير عابئ بانتهاك المقدس والعقائد الرسمية. وهو ما نغبطه عليه نحن في هذا العالم العربي،حيث يدفع الكاتب أحيانًا حياته ثمنًا لخروجه عن التأويلات التقليدية للدين.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *