ميراي شحاده: سهيل مطر… ينتشي في قلمك الإزميل فينطِق فينا الحجر
كلمة المهندسة الشاعرة ميراي شحاده (رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي) في حفل تكريم الأديب سهيل مطر الذي نظمه مجلس جبيل الثقافي في أنطش جبيل
كل التحايا العطرة لكم أيّها الحضور الكريم
والشكر الوارف للمجلس الثقافي في بلاد جبيل وأخصّ اللجنة الأدبيّة، رئاسةً وتنسيقًا، لدعوتنا إلى هذا العرس الثقافي وهذا التكريم المستحِقّ.
كلّي غبطةٌ وسعادة أنّني أقف في حضرة المعلّم وجذورُ سنديانه العتيق وترابِه العريق تُشعِلُ في قلمي المُتواضع دوائر النور وزفّة المواويل.
ما عرَفْته من زمن بعيد، ولا كنت من تلامذته النُّجباء ولا من ملائكة شياطين لقاءاته الأدبيّة… لكنّ وصالَ الروح، جامحةٌ دواليه إلى هذا المعلّم الكبير، إلى اعتناق الإنسان في سُبحة قلمه الطاهر، فإذ نطقَ بالحبّ من محراب دواته، أذّن وِرد مشاعره في سحريّة يوم أحد وصلّى الجمعة في طواف شعانينه من نخلٍ وزيتون وقبلٍ من ورد وشهد.
نُسائلُ الأمجادَ عنه، في ليلة سبت من مسرّات آذار تَثِبُ فيها عقارب الساعة بعد قليل، ساعةً إلى الأمام وتثب معها القلوب قلمًا قلمًا إلى عناقك أيّها الراعي المثقلِ بالضوء، والممتلئ نعمة وتواضعًا.
سهيل مطر، إذ تكلّم تأتيكَ كلمتُه من علو، من فوق…كالمطر! من يُرهِفُ الخلدَ سَمْعًا ويُشعِلُ في الماء طربًا ويَهزّ في حنايا الصدر أسرارًا.
أنظروه، وغمّازتان على الوجنتين تفترُّ منهما يراعاتٌ من نار وفراشاتٌ من نور، إن تبسّم لك أدركتَ روض طفولته وما استطعت إلّا الذَّوبان في كون أسحار والتنسّمَ بين خمائله في مراكب العُطور.
أنظروه، وجبينٌ يعلوه رويُّ شَعر أبيض ونقاءُ شعور! تتوسّده أراجيحُ السنا وضفائرُ من ذهب السطور…هذا الذي حمل في حقائبه أرزَ تنورين وأسرارَ الصخر وعري البراري، هذا الذي ارتعشَت في ناياته التلالُ العذارى وخضرُ المراعي، به يحلو الأدبُ وتخضوضرُ المحافل وفيه من ملاحم القيمِ وموائل الجمال ما يبرعمُ الربيعَ في ثُغور الزهور.
وإن سطع نجم سهيل، يسألك “يا رجل… في حبّ اليوم أو غضب !!! تُجيبه بكل حبّ مغمَّسٍ من حبّات مسبحته اللازورديّة: في حبّ يا أستاذ سهيل! وهل غيرُك يا نجيّ القلم يعلمُ كيف يزيحُ الصخرةَ عن مقابر أفراحنا؟
حيرتُك إبداعٌ يا سيدي، وأسئلتك الوجوديّة، إن جالسناكَ، معرفةٌ واكتمال ومنهجك ترنسندنتالي يعلو بنا إلى الكون الأوسع…. إلى التوشُّح بمغازل النور والفرح الإلهي، إلى ذلك اللامحدود، فوق عرش الغمام وذروة مجرّات الإنسانيّة.
تراث وحداثة وإبداع، والأهم والأسمى والأنقى، هو حضنُ أبٍ وحصنُ مربٍّ ومسيرةُ إمام… من عينيه تضوعُ أزاهيرُ عمرٍ وشذا بها الأقاحي تعتمرُ!
فكيف لي يا سادة، في الحديث عنه أن أختصر؟
عذرًا من خدر الأبجديَّة ومن قدموسك يا جبيل وأرقامِكَ يا خوارزمي… فالحروف الخزامى لن تفيَ الليلةَ هذا القمر!
وما كلّ ما أثمرَ من راحتيه في سماء الأدب من خفر …
أنتَ الريحُ، تعصفُ في وهن البشر، وأنتَ الأرضُ ثراكَ آياتٌ وسُوَر!
تُدرك كيف من وراءِ الغيبِ، تستلُّ عنب السمر… وتبسُمُ من عرشِ بيانِك، بُردتُك الحبُّ، يا سهيل النجم والمطر!
همسُك تحنانٌ وفي الحوارِ، كأسُ خمرٍ فيها دواليكَ تُعتَصَر
ينتشي في قلمك الإزميل فينطِق فينا الحجر…
هل درى، منذ أعوامٍ، من سمّاك سهيل أنّك النجم الذي يبشّر بالخير والمطر!
هي الفُسيفساء من نورك طرّزْتَها يومًا
إلى لِنَا، لنلون: “آخر الكلماتِ: أحبّكِ!” ولكَ في هذه العشيّة نرفعُها صلاة وبخّورًا:وأختمُ بها:
أوّلُ الكلمات: نحبّك وآخرُها نحبّك… وها قد شاع الخبر!
ومع كلّ نبض حرف من حُروف الأبجديّة نحبّك، ومع كلّ حبّة من مسبحة الوجود نحبّك سهيل مطر إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين. آمين !