سجلوا عندكم

جديد دار نلسن: “رحلة فراشة” لـ آية مريم حسين الرمح

Views: 47

صدر عن دار نلسن في بيروت ديوان “رحلة فراشة” لـ آية مريم حسين الرمح. في ما يلي المقدمة ومقتطفات من الديوان:

 

المقدمة

كفراشة تحمل حب العالم

تدور بين زهور الياسمين

ترتشف أملا من حضن الورود

وتزرعه بين أوتار السنين.

 

أعلم أنها ستكون قراءة متعبة

لكنها مغروسة بنكهة أمل.   

 

أجلس على حافة النهر، بين زهور الربيع الملونة،

أمسك بقلبي قلماً، أخاطبكم به على أنغام العصافير وحفيف الشجر

وأهمس للفراشات أسراري…

أخبركم قصتي بلغة الأنا على ورقة شفافة،

وبكل شفافية أسرد لكم لحظات ممتعة وأخرى محزنة…

 

طفلتك تعيسة يا أمي فالزمن سرق روحي وذبلت أحلامي التي باتت مشـردة على رصيف الحياة.

أمسكت قلبي، ويدي ترتجف خوفا من أيامي صرت أكتب بحروف غير متناسقة وبلغة مبهمة.

لغة من خلالها نتواصل مع العالم؛ ونبدأ بالكتابة على ورقة فارغة تصبح مليئة بضجيج أفكار من هنا وهناك.

تخلّيت عن العالم بلغة صامتة وأصبحت أعيش في اللاوجود.

أحلام تساقطت مع أوراق الخريف ويبست بصمت.

 

هذا كتاب لصـرخاتي وأوجاعي الصامتة، الصمت القاتل لصوتي والأصوات التي تعيش داخلي أصوات تشبهني وأخرى لا تشبهني أنصت إليها أحيانا رغما عني وأتجاهلها أحيانا رغما عنها.

إذا كنت تريد أن تعيش معي أسعد وأتعس مشاعري… أحضـر آهاتك بقلب رقيق وارم اللاإحساس وارتدي كل الإحساس وعش معي خيبتي وقوتي واقلب الصفحة بهدوء.

 

جثة الأحلام

ندفن في كل يوم أشياء داخل قلوبنا نعجز أن نخبر أحدا عنها.

دفنت ضحكاتي التي اختفت وراء أحلامي الصغرى في وطن مهجور يضج بكآبة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سرقت منّا عمراً جعلته رمادا يرقص عليه الأشرار ورمانا كتلاً مكتئبة على الطرقات وتخلى عنا.

والعالم كله تخلى عني، ومن كثرة الخيبات ضحكت بألم ووجع.

هل كان التخلي عني سهلاً الى هذا الحد؟

حلّ الخريف وما عاد الربيع يزهر منذ زمن.

شعرت بثقل التواصل مع الجميع لا أكره أحدا وأكره الجميع وحتى نفسي فقدت رغبة الأحاديث دفعة واحدة.

وصوت من بعيد من عالم غريب قادم من خلف الضباب مرعب وقذر همس لي:

“هيا بنا إلى الجحيم إلى النهاية إلى الموت

هيا بنا الى الجحيم”.

 ناداني شبح الخوف، كان أقوى، قتلني ورماني كئيبة على سرير الموت حاصرني واختنقت من أفكار الخوف من الفشل وسقطت على أرض الأحلام الفاشلة لا أشعر بشـيء سوى الخيبة. تحوّلت الى شبح يمكث في فراشه يحاول النوم لا يستطيع يحاول النهوض يقع أرضا.

في صباح اليوم الحزين، وأنا في منزلي أحاول الخروج، هاجمني وحشاً لعيناً بشعاً رماني في سريري المظلم.

الليلة الأولى

انتهى وانتهت كل أشيائي الجميلة، قهقهاتي مع أصدقائي، وجهي الجميل، ملابسـي الوردية، أحذيتي الملونة، ألعابي منذ صغري…

واختفت عيوني الضاحكة للأحلام وباتت ساهرة شاحبة تملؤها دموع العالم. أبكي لا أجيد الحركة أحاول لا أعلم كيف أنهض وألملم مخاوفي. أتجه إل المرآة بخطوات مكسورة وأرى وجهي الحزين أبكي على حالي.

لا أستطيع غسل وجهي، يداي ترتجفان وكأن وحشا يلاحقني بمخالبه الطويلة، رديء ضخم.

أفتح خزانتي لا أعرف ماذا وكيف أرتدي ملابسي السوداء ومن ثم أعود إلى سجني والكسرة تقتحم قلبي.

 

الليلة الثانية

جامدة أطرافي لا أجيد الحركة بالكاد أستطيع جلب هاتفي وأقلّب بالساعات أرى العالم سعيد بدوني الجميع يحلم يعمل لمستقبله وأنا أبكي على أحلام تاهت مني.

معدتي تصـرخ جوعا ولا أشعر فالطعام بات سمّاً بالنسبة لي والماء يخنقني وأبكي، جسدي أصبح نحيلاً ووجهي أصفر كليمونة تعفنت في الثلاجة.

 باردة أطرافي ولا أشعر بها شعري الحريري أصبح خشنا يتساقط أرضا وأبكي.

 

الليلة الثالثة

ها قد أتى الفجر ولا زلت محاصرة بشبح الخوف والأفكار اللعينة، وتدق ساعات البكاء تنهمر دموعي دون استئذان أبكي وأبكي بحرقة وداخلي يصـرخ، لا أحد يسمعني. تركني الجميع عائلتي أصدقائي أحبائي ونفسي تركوني وحيدة يا أمي.

كنت أتمنى لو أحداً منهم سمع وجعي وفهم صمتي كنت أريد غمرة…

 

الليلة الرابعة

حلّ الصباح ولكن داخلي معتم أسمع العصافير تغرّد حزنا على حالي وأبقى في فراشي، أصبحت روحي رديئة.

لا أستطيع إحضار الطعام ولا الإستحمام ولا شرب الماء

جثة هامدة على سرير الأحزان بأعين غارقة على وسادة الآلام.

ولم أستطع الخروج من تلك العتمة الداكنة الموجعة التي حرقت أيامي.

وصرت ضعيفة ركيكة هشة في داخلي خسـرت حالي.

صوت غريب عني ينده:

“هيا بنا إلى الجحيم… ارتدي ثيابك الملطخة بالسواد وهيا بنا الى العزاء”.

حاصرتني حالة غريبة من الخمول المهلك. محبطة مريضة، متقوقعة على ذاتي تهاجمني أفكار الموت. فقدت الرغبة في كل شيء لم أعد قادرة على العمل ولا التعلم. فقدت حواسي الخمسة.

في سريري أبقى محاصرة بنوبات الهلع من حين إلى آخر. ووحش القلق يزورني في ليال باردة. نوم مستحيل دون حبوب منومة، نوم مؤقت. وأعود وأستيقظ بحالة أسوأ.

رأيت حياة مظلمة ولم أبصـر النور بعدها وحش الخوف تمسك بأطرافي اليابسة.

خفت من المستقبل المجهول، من الأحلام في وطن يدعس الحالمين، خفت من ماض وذكريات الحب والرفاق الذين سرقوا بسمتي بأذيتهم لقلبي الرقيق، وخفت منّي وسيطر الرهاب علي وتمكن من تفاصيلي ورماني وحيدة.

وحيدة وأنا في طريقي إلى الجنون، خسرت طاقتي وحيويتي، عشت شبه غيبوبة. استسلمت وأغلقت كل أبواب الأمل وفتح باب الألم المميت وصوت يرثيني شبح يخاطبني:

“هيا نسقط في حفرة النهاية”.

تحولت إلى هالة سوداء خطواتها مؤلمة، تلاشت روحي، وانعزلت عن عالمي.

كان عالمي يكسوه الغطاء الوردي أضحك للسماء وتمطر زهرا. أحلم وأعمل وأتعلم كل يوم شيئا جديداً، لغة معلومة ثقافية اجتماعية. وتركت عالمي واحتضنتني العزلة لا أصدقاء لا عمل لا تعلم ولا كلام، الصمت أصبح أعز ناسي.

دفنت ضحكتي في قبر التعاسة، بدت الحياة قبيحة ورغم روعة السماء لم أر فيها جمال مجرد فضاء فارغ باهت بلا ألوان. وتوفيت روحي ما عدت أعرف من أنا.

حزن أليم، يخنق أنفاسي المتقطعة والآه تعلو من الألف إلى الياء كثرت آهاتي ضاعت كلماتي ولم أجد حروفاً لكلمة تعبر عن صمتي الموجع. تراكمت صرخاتي في قلبي ورأسي اللعين يتمتم لي”.

 ألم يحن وقت العزاء؟

أبكي أعزي نفسي. في سجن بائس مظلم أطفأني.

عانيت من حالة لم أعرفها مسبقاً حاولت بكل قوة ألا أسقط وسقطت على ورقة رقيقة كقلبي تنهدت ومسكت قلمي بروحي

“هل من أحد هنا يشعر بي؟ يرأف بحالتي؟ فأنا لم يصدقني أحدا وكذبني من أقرب إلى الوريد وحتى أنا لم أصدق..

تعيسة مثيرة للشفقة، كلماتي غير مترابطة غير مفهومة فحروفي اكتأبت ورحلت مزدحمة بالحزن. أصبح قلبي بارد لا أشعر وأشعر بألف ألم بلحظة. سنوات تعاستي كانت كثيرة وأيامي ثقيلة جعلت منها ندبات كئيبة مغروسة في قلبي.

مت أنا وماتت الكلمات وتجمعت الحروف لرثائها.

تعبت من كل شيء ومن اللاشيء. وباتت دقات قلبي تؤلمني وصار وجهي لوحة يغزوها السواد. الليل في قلبي مظلم يعانق نجومه المنطفئة، مؤلمة أحاسيس الخيبة داخلي.

أنا الوردة اليابسة داخل كتاب في مكتبة مهجورة، هجرها الجميع وبقيت وحيدة ألملم ما تبقى، أما قلبي فحديقة جرداء موحشة قاتمة وأشجار عارية قاحلة وسماؤها ملبدة بسحب داكنة تبكي مطراً يتناثر بين أوهامي وآلامي.

أبكي إذا قال أحدهم لي صباح الخير.

أعاني من حساسية مفرطة أنهكت روحي. خيبات كبرى كتمت داخلي، صديق خيّب أملي، وحبيب تركني، وعمل لم يقدر خبراتي. رغم أني لم أطلب الكثير كنت شخصية حالمة وطموحة ومجتهدة تحب الوصول وتحقيق الأحلام. أحب ولا أعرف الكره أعطي بلا مقابل كنت أريد منهم القليل %1 حب فقط.. ولم أعلم حتى الآن ماذا تغير في قلوبهم أو أنهم منذ البداية كانوا يرتدون الأقنعة ويخبئون حقيقتهم. رحلوا ورحلت أجزاء من روحي معهم.

 

لبثت وحيدة، روحا فاقدة الروح أسيرة الفراش لا أفعل شيئا لكن دماغي مزدحم يقاتل مع المجهول.

ابتلعني ضجيج الصمت ورماني منطفئة خيال بلا روح أسيرة الأحزان بين قضبان المرض. انقطعت عن الحياة، انقطعت عن الطعام شعرت بدوار الذكريات أتذكر حالي وأنا في طريقي إلى الأحلام. أحلام تدور حولي وأقع في قاع معتم.

وأنتظر الموت يطرق بابي ويمد يده لي وأهرب معه بعيداً عن نفسي وعن العالم.

مت وأنا في ربيع عمري.

عمر مر على جسدي جعلني عجوزاً على سرير الموت.

ميتة بأنفاس متقطعة أخاف الهواء إذا لامس وجهي الباهت.

أخاف النوم فأبقى ساهرة طوال الليل على روحي وهي تتألم.

وفي إحدى الليالي عانقني الليل وبكيت بشدة وانهمرت دموعي على ورقة هشة كروحي وكتبت بدمع ودم

” لماذا انا يا الله”؟

أين أنا؟ وحلّقت بنظري من نافدة الى السماء بكيت بكيت بشدة لعلّ السماء ترأف بحالي. لعل معجزة تنفخ الأمل في روحي.

أصبت بنوبة بكاء رمتني نائمة على الارض كطفلة أنهكها البكاء، الحمدلله غفوت لساعتين. غفوت كطفلة رقيقة كنسيم الصباح، بريئة تضحك ضحكات ملونة بنكهة الشهد تنثر فرحا أينما حلت.

تلحق بفراشة تلعب مع عصفور يملأ الدنيا بأغانيه العذبة كوردة جورية تفوح رائحتها وتملأ سقف المنزل ورداً.

ابتسامتها غير عادية يضحك لها القمر تحاكي النجوم وبغمزة منها تزرع الكون أملا، أحلامها تخطت حدود السماء وكبرت تحطمت وذبلت.

أصبحت الأيام متشابهة لا فرق بيت الليل والنهار بين الساعة والثانية بين اليوم وغدا بين الحب والكره بين الفرحة والغصة.

روح عارية الفرق الوحيد الذي شعرت به بين الموت والموت.

الأولى تصبح ذكرى يمر عليها من يعرفونك مرور الكرام؛

والثانية نقمة على الذين يعرفونك.

فقدت الحياة فقدت الأمل والأحلام ووحش تسرب الى داخلي أهلكني.

يمسك بي ويسحبني الى الأسفل، هربت كل شخصياتي المرحة الحنونة المحبة القوية الطموحة والتي خافت مني. كم تمنيت الصـراخ

بأعلى صوت يحطم جدران الكآبة.

في يوم موجع وليل حزين دون نجومه رأيت الوحش اللعين الأسود الكئيب الدميم السمج الشنيع الفظيع القبيح المريع الخبيث.

رماني بمخالبه. بائسة أشعر بالضجر من الاحلام والمستقبل من الماضي والحاضر من الحب الكاذب والصداقة المزيفة.

كل شيء يرهقني غرقت في غصّات تقتلني وقلق يسرق أيامي.

والنهاية تقترب مني.

لم أعد قادرة على العيش، سئمت أضعت سعادتي في كل يوم أتعثر بحزن مختلف، يخذلني جسدي الذي أصبح نحيلا لا أستطيع النهوض تخذلني روحي.

تهدّم كل شيء وأصبت بهشاشة في روحي.

اختنقت بحبال الكآبة أنهار ولا أبالي.

هل من أحد هنا…؟

هل يسمعني أحد…؟

أرجوكم اسمعوني… أين أنتم…؟

أنقذوني من نفسي…

فقط أنا وأنت هنا يا وحشـي. هيا اقتلني ماذا تنتظر؟

خذني معك لنجلس على ضفاف بحيرة الدمع والدم الأسود،

لم أعد أر سوى السواد سواد قلبي وروحي أتألم وأعاني من كتمان قاتل بين مخالبك.

هل من شمس تشـرق من جديد؟ هل من أمل بقي لي؟

وتعود بخيبة كبيرة لا أحد يسمع ولا أحد يبالي.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *