ندوة حول رواية “جرح النازفة” لسحر حيدر في الجامعة الأنطونية بعبدا- الحدث برعاية وزارة الثقافة

Views: 134

برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، وبدعوة من “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي” والدكتورة سحر نبيه حيدر (أمينة سر جمعيّة عدل ورحمة)، أُقيمت ندوة حول رواية “جُرح النّازفة” (الصادرة حديثاً عن منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء) للدكتورة سحر نبيه حيدر، في الجامعة الأنطونيّة بعبدا -الحدث، في حضور المدير العام لوزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، والنائب العم الأنطوني الأب بطرس عازار ورئيس الجامعة الأنطونية الأب ميشال السغبيني والآباء : نجيب بعقليني (رئيس جمعيَّة عدل ورحمة)، وإبراهيم بو راجل(مدبر في الرهبانية الأنطونية)، وفادي طوق(رئيس المعهد الأنطوني)، وطوني خضرا( رئيس لابورا ) وماجد مارون( مدير الجامعة الأنطونية- فرع مجدليا) وفعاليّات أدبية وثقافية وتربوية ودينية واجتماعية.

 

سحر حيدر

استهلت د. سحر حيدر الاحتفال بكلمة ترحيبية بالحضور والمُنتدين مما جاء فيها: “ايها القادمون من تعب الأيام، من زوايا الحنين، ومن تفاصيل هذا البلد الذي يختبرنا كل يوم / أهلا بكم في هذا المساء الذي لا يشبه حفلاً ، بل لحظة صدف نادرة نقف فيها مع الكلمة لا لنُحاكِم بها أحدًا بل لنُصغي، لننحاز إلى الإنسان في أكثر تجلياته هشاشة وعمقاً”.

أضافت: “نلتقي حول رواية ليست مجرد حكاية امرأه، بل مرآة لحياة تمضي في الظلال، تجرُّ وراءها ألف سؤال وسؤال، لكن في جوهرها حكاية أمل الاسم الذي تجاوز البطلة ليصير موقفاً ورجاء وإمكانية حياة رغم كل ما ليس على ما يرام”.

 

الأب ميشال السغبيني

الكلمة الأولى للأب ميشال السغبيني (رئيس الجامعة الأنطونيّة)، الذي اعتبر أن “الرواية تأخذنا في رحلة إنسانيّة مؤلمة ومؤثّرة، حيث تتشابك فيها خيوط الألم والأمل، وتكشف في طيّاتها عن قوّة الروح الإنسانيّة في مواجهة أصعب الظروف. فهي ليست مجرّدَ رواية بل هي صرخةٌ مدوّيةٌ في وجه الظلم، وقصّةٌ تَروي معاناةَ امرأةٍ تُجسِّد الضعف والهوان من جهة، وقوّةَ الصمود من أجل الحياة من جهة أخرى. إنّ هذا العمل الأدبيّ يلامس القلوب والعقول معًا، ويفتح نوافذ المساءلة لا في مفهوم الرجولة والذكورة وحسب، بل أيضًا في مفهوم الأبوّة والحبّ والإنسانيّة”.

أضاف: “لم تكتفِ الدكتورة سحر بسرد الأحداث، بل غاصت في أعماق النفس البشريّة، وكشفت عن جوانبها المظلمة والمضيئة. كما أنّها نجحت في تقديم الشخصيّات بواقعيّة وشفافيّة، لا بل بعُريٍ كلّيّ. أعتقد أن قصّة أمل، بطلةِ الرواية، هي حكايةُ الكثيرين منّا، ولكن بظروف ومواقف حياتيّة مختلفة؛ إنّ جرحَها يعكس جرحَ الكثيرين منّا سبّبه لنا الآخرون؛ كما يقول ريموند كارفر (Carver): “أصعبُ ألمٍ، عندما يصابُ الإنسانُ بإنسانٍ آخَر”. كما أنّ النزْفَ المتأتّي من تراكم الكلوم والجراح التي لم تندمل قطّ وتطيب، هو انعكاسٌ لجراح بشريّةٍ تنزف إنسانيّةً. فبدل أن ننزفَ أيّامًا وعمرًا، إنّنا ننزفُ عدلًا ومساواةً وحقوقًا، ننزف حنانًا ورحمةً وحبًّا”.

 

 علي الصمد

بعد ذلك كانت كلمة الدكتور علي الصمد (مدير عام وزارة الثقافة)، ومما جاء فيها: “تتناول الدكتورة سحر حيدر في روايتها “جرح النازفة” قضية بل قضايا شائكة تلامس المحظور في المجتمع اللبناني بل والمجتمع العربي أيضاً. فشخصية “أمل”، بطلة الرواية، ليست مجرد حالة فردية منعزلة، بل هي تمثل نمطاً متكرراً لضحايا النظام الاجتماعي الذي نعيش بكنفه والذي غالباً ما ينتج عنه ظواهر وسلوكيّات مشوهة”.

أضاف: “فالمجتمع الذكوري أو الأبوي القائم على تسلّط وتفرّد الرجل بالقرار في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأخلاقية وفي طريقة معاملته للمرأة، لطالما نتج عنه انحرافات تعود إلى الإسراف باستغلال السلطة وفي غياب المحاسبة وغياب الوازع الأخلاقي. وما يزيد من خطورة هذه الظاهرة هو وجود بيئات بل مجتمعات فقيرة بفعل الاوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب الإنماء والتنمية المحلية. ويترافق ذلك مع تواطؤ مجتمعي وتجاهل ممنهج من قبل الحلقة الأقرب والدائرة الأوسع، مما يسهم في النهاية في إعادة إنتاج العنف ضد النساء والأطفال والمجموعات الأكثر ضعفاً. نجحت الدكتورة سحر حيدر في تسليط الضوء على هذه القضية من خلال حبكة مدروسة ومبتكرة وبأسلوب ابداعي جميل”.

 

ميراي شحاده الحداد

من ثم كانت كلمة الأديبة ميراي شحاده الحداد (رئيسة منتدى شاعر الكورة الخضراء)، ومما قالت: “ليس غريبًا عن سحر حيدر بزوغُ قمر جديد من رحم أبجديتها على وجنتي الخلود الروائي. قمر ينير ونستنير بفلسفته وحكمته ورسائله العديدة في شتّى ميادين القيم الاجتماعيّة؛ وكتاب جديد في ذاكرة الكلمة الواعية حيث تتسامى مواجع طفلة خانتها ألحان الأمل وكان اسمها أمل؛ هي التي قلّبت مرارًا صفحاتِ المدى فشتتّها الخوف والطيش والألم لتتحوّل من أقحوانة بريئة إلى عوسجة غانية تسفح من لامس معصمها ورَقص فوق مبسمها وأنبأ بانتحار الزهر في عذريّة خدرها”.

أضافت: “عرَفتها منذ سنوات ومارد الحبر يرتشفُ كؤوسه الحمراء من أوردة رئتيها…ويسكر في مساياها ويراقص الليل في همس إيقاعاتها. تارة تُلهبه صبوة النوى وطورًا يدمع من جمرة المشتهى. وقِبلة العاشق قلمٌ في راحتيها يحيلُ السراب إلى حقيقة تُنبئ بالوعي والمعرفة وخوض غمار التساؤل والسؤال…فلا الوقت عقارب ساعة بين يديها ولا المكان حدود مربع استطال أو استدار في زحمة الأمكنة. سحر حيدر عرّافةُ الحبر والحب…”

تابعت: “نعم هذه سحر حيدر. هكذا عرفتها، عايشتها، خابزتها وجِئت أكلّمكم عنها وعن غِلالة شمسها وخزائن الريح المتلبدّة في أعماقها… جئت منتشية بعبق رياحينها ومن “أكتبني… حين أحببتني” مولودِها الرابع والأول من منشورات “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي” 2022، أزفّ اليوم لمنشوراتنا مولودَها الخامس وهو الثاني في معجم الكورة الخضراء”.

 

إيلان عيسى

في كلمتها تناولت المحلّلة النفسيّة الدكتورة إيلان عيسى الرواية من الناحية النفسية ومما قالت: “جُرح النازفة، كتاب مؤلم بموضوعه، فهو بتحدث عن “سفاح القربى”، ولكنه رائع في سرديته، تبدأ بقراءته ولا يمكنك التوقف. فقد نجحت الكاتبة بفضل سلاسة تعابيرها وانتقائها لمفرداتها المتصلة بعمق المشاعر في كل كلمة اختارتها وفي كل فصل كتبته في ن ان تشدّ انتباهنا وتأخذنا معها لملامسة المعاناة والظلم اللذين عاشتهما أمل”.

أضافت: شكراً لشجاعتك زميلتي د. سحر حيدر لكسر حاجز الصمت وخاصة أن الجرح هو جرحٌ فُتح في الطفولة ولا زال ينزف وقد لا يتوقف. كلما نظرنا في عمق هذا الموضوع كلما رأينا ان الولد في العائلة السفاحية هو شيء، ليس إنسانا، فهو مِلكٌ لمن أنجبه. شبقية جنسيّة تحدد مصير الولد ويتعامل الأهل معه كشيء عديم الإحساس، عديم الذاكرة، صغير وهش، تبعي والأخطر من ذلك انه موضوعٌ يسهل إسقاط الاضطرابات والشذوذ عليه. في تشييئ أمل حدث شرخ كبير بينها وبين ذاتها، فتآكلها الذنب والعار وغرقت في صمتٍ مطبق ومحكّم لحماية أمها، فيغدو بحث أمل عن الأمل، بحثًا طويلًا وبعيدًا كسراب تركض خلفه ولا مجال لالتقاطه، إلا في البحث عن اتحادها مع ذاتها، ولكنها ببحثها المتكرر عن المخلّص خارجاً تصعب المهمة، وعبّرت عن ذلك بقولها : “كان ما كان ظناً مني انه سيحرّرني مني”، فالتجارب النفسية تتكرر والجرح النرجسي يتّسع والمجتمع لا يرحم الضحية”.

 

سهيل مطر

تساءل الأديب والشاعر الدكتور سهيل مطر (نائب رئيس جامعة سيدة اللويزة سابقًا) في كلمته: “ما المهم أو الأكثر أهمية أن تقرأ الكتابة، أو ان تقرأ صاحبة الكتاب؟ هما يتماهيان، كما لو أنهما عينان لصبية حلوة تقول لحبيبها بصوت سعيد عقل: وعينان أوسع من عالم/ تقولان: أيهما تنتقي؟” ونحن لا ننتقي فالكتاب وسحر واحد وما عليك يا صديقي إلا أن تقرأ”.

أضاف: “لهذا أترك لك شغف القراءة، لتكتشف أية سحر حيدر في هذه الرواية. هي الطفلة والأخت والأم والحبيبة والزوجة والصديقة واستاذة الجامعة، ولكنها مع كل ذلك هي الشاعرة الفنانة المبدعة على بعض التحدي والتصدي لجراثيم وأورام تنهش المجتمع وتزلزل القيم والمعتقدات. قلم سحر، في هذا الكتاب، متوتر، يغضب، يلعن، يشتُم ويكاد يحطّم ويتحطّم. كما السيف، جننه الجرح، فراح يضرب، يمزق الأقنعة، يفجر العقد الفاضحة ولا يترك للستر مكانًا. فضّاح هذا القلم إلى حد الثورة المقدسة، وكأن سحر، تجمع بين الزوبعة ورسالة الحب والحقيقة”.

تابع: “جرح النازفة” أيها الأصدقاء، ليست رواية، بل هي عملية جراحية، حاولت من خلال سحر، أن تستأصل هذه الوحشية الخبيثة المخبأة في جسد الإنسان”.

 

ريما كرم كرم

في ختام الندوة كانت كلمة للدكتورة ريما كرم كرم (رئيسة قسم علم النفس في كلية التربية – الجامعة اللبنانية)، عرض فيها “قصة أمل، النازفة والمستَنزَفة والمستَنزِفة” من زاوية علم النفس الاجتماعي، ومما قالت: “أنطلق من سؤال محوري وهو كيف أثّر المجتمع الذي نمت فيه أمل على مسار حياتها؟ علماً أن وجود كلٍ منا في مجتمعٍ ما هو خاضع لمبدأ التفاعل، أي الأخذ والعطاء، فماذا أخذت أمل إذاً وماذا أعطت؟ كل المحطات التي عاشتها أمل، إلّا واحدة، كانت دليل على استسلامها لسلطة مجتمعها، بدءاً من طفولةٍ حزينة في بيت متهالك إلى أن دخلت دار المسنين لمواساة رجلٍ عجوزٍ جمعتها به صدفة ليس إلّا. ما يعني أنّ أمل ليست سوى نِتاج le produit مجتمع أثّر بشكل سلبي على توازن كافة مكونات شخصيتها وحرمها من حقها في العيش الكريم الهانىء، حرمها من تحقيق ذاتها أسوة بأبناء وبنات جيلها”.

أضافت: “نواة هذا المجتمع القاتم هي عائلة مفككة، مضطربة عاطفياً ، أفقدت أمل العوامل التنموية الأساسية، لا حنان، لا أمان، لا تواصل، لا حماية. هي عائلة زرعت القلق والخوف والحزن، عائلة تعاني الخلل الوظيفي، الذي وبتعبيرٍ علمي، حرم أمل من إكتساب مهارات المواجهة الإجتماعية إضافةَ إلى حرمانها من آليات الدفاع النفسية الضرورية ومن النضج العاطفي الذي يخولها التمييز بين كافة أنواع البشر. تفكك أسري مؤلم، إنحلال تام في الروابط العائلية، أمٌّ عاجزة، أبٌّ مستبد، وضع إقتصادي مزرِ، كلها عوامل حتّمت إستسلام أمل، إبنة الثماني سنوات، خوفاً على حياة امّها وتخفيفاً لآلامها، لتبدأ هي رحلة آلامها وتضحياتها اليومية”.

 

وقفة تأملية

تخلّل الاحتفال، الذي أدارته الدكتورة سحر حيدر، وقفة تأمليّة مع مشهد من الرواية مع بيرلا روكز، وفي الختام، قدّمت د. حيدر للمنتدين، شهادات تقدير عربون شكر لمشاركتهم في الاحتفال؛ ووقعّت روايتها “جُرح النّازفة”، وكان نخب المناسبة وأخذت الصور التذكارية.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *